الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالظاهر من حالتك أن حكمك حكم المستحاضة وصاحب السلس ما دام انقطاع هذه الإفرازات مضطربًا, بأن كان زمن انقطاع هذه الإفرازات يتقدم ويتأخر ويطول ويقصر، فالواجب عليك أن تتوضئي بعد دخول الوقت، وتصلي بهذا الوضوء الفرض وما شئت من النوافل، ثم لا يضرك خروج الإفرازات ولو أثناء الصلاة، وليس لك أن تتوضئي قبل دخول الوقت.
وأما إن علمت انقطاع هذه الإفرازات في وقت ما، وانتظمت لك بذلك الانقطاع عادة, فإنك لا تصلين إلا في هذا الوقت المعلوم لك لتصلي بطهارة صحيحة، وراجعي الفتويين رقم: 136434، ورقم: 108086.
ولا ينبغي لك حبس البول مع الإحساس بضرورة نزوله لثبوت النهي عن صلاة الإنسان وهو يدافع الأخبثين, ففي صحيح مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان.
قال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم: فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ الَّذِي يُرِيدُ أَكْلَهُ؛ لِمَا فِيهِ مِنِ اشْتِغَالِ الْقَلْبِ بِهِ, وَذَهَابِ كَمَالِ الْخُشُوعِ, وَكَرَاهَتِهَا مَعَ مُدَافَعَةِ الْأَخْبَثِينَ, وَهُمَا الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ, وَيَلْحَقُ بِهَذَا مَا كان في معناه مما يَشْغَلُ الْقَلْبَ, وَيُذْهِبُ كَمَالَ الْخُشُوعِ. انتهى.
وكذلك قد يكون في حبس البول مضاعفات سيئة على صحتك.
وأما جواب سؤالك الثاني: فإن كان الأمر كما تقولين من أن خروج الريح يكون في كل وضوء وصلاة يقينًا لا وسوسة؛ فإنك تأخذين حكم صاحب السلس، فتتوضئين لكل صلاة ثم لا يضرك خروج الريح, قال شيخ الإسلام: فالشرع قد استقر على أن الصلاة، بل العبادة التي تفوت إذا أخرت تفعل بحسب الإمكان في الوقت, ولو كان في فعلها من ترك الواجب وفعل المحظور ما لا يسوغ عند إمكان فعله في الوقت، مثل الصلاة بلا قراءة، وصلاة العريان، وصلاة المريض, وصلاة المستحاضة، ومن به سلس البول، والصلاة مع الحدث بلا اغتسال ولا وضوء، والصلاة إلى غير القبلة، وأمثال ذلك من الصلوات التي لا يحرم فعلها، إذا قدر أن يفعلها على الوجه المأمور به في الوقت، ثم إنه يجب عليه فعلها في الوقت مع النقص لئلا يفوت، وإن أمكن فعلها بعد الوقت على وجه الكمال، فعلم أن اعتبار الوقت في الصلاة مقدم على سائر واجباتها. انتهى.
وقال أيضًا - رحمه الله -: فمن لم يمكنه حفظ الطهارة مقدار الصلاة فإنه يتوضأ ويصلي, ولا يضره ما خرج منه في الصلاة، ولا ينتقض وضوؤه بذلك باتفاق الأئمة، وأكثر ما عليه أن يتوضأ لكل صلاة .انتهى.
ومع نفيك أن يكون ما تشعرين به من الوسوسة إلا أننا نرجح أن يكون هذا من الوسوسة؛ ولك أن تتأملي ما يفعل الشيطان بالعبد في صلاته ليفسدها عليه، فقد قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَدَ حَرَكَةً فِي دُبُرِهِ، أَحْدَثَ أَوْ لَمْ يُحْدِثْ، فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ فَلَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا. رواه أبو داود، وصححه الألباني.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا; -أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَأْتِي أَحَدَكُمُ الشَّيْطَانُ فِي صَلَاتِهِ, فَيَنْفُخُ فِي مَقْعَدَتِهِ فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ أَحْدَثَ, وَلَمْ يُحْدِثْ, فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ فَلَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا, أَوْ يَجِدَ رِيحًا. قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ، وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ. انتهى.
فنحذرك من وساوس الشيطان, فإنها تفسد عليك دينك ودنياك.
وبقية أسئلتك يعلم جوابها مما ذكرنا.
والله أعلم.