الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فخلاصة الكلام في المبتدعة أن البدعة نوعان:
بدعة مكفرة: كبدعة القول بخلق القرآن، وبدعة نفي صفات الله تعالى، أو القول بأن الصحابة ارتدوا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا نزراً يسيراً، وهكذا القول بتحريف القرآن الكريم، ودخول النقص، أو الزيادة عليه، أو القول بأن الأولياء يعلمون ما كان وما يكون، ومتى يموتون وأين سيقبضون؟! أو الطعن في أبي بكر وعائشة ـ رضي الله عنهما ـ مع تزكية القرآن الكريم لهما، أو القول بأن الله تعالى يحل في شيء من مخلوقاته، في علي أو غيره.
وهناك بدعة غير مكفرة: كبدعة اتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيداً، وما أحدثه الناس من قراءة القرآن قبل أذان الفجر، والتزام الذكر بأعداد معينة في أوقات معينة بهيئات معينة، لم يوجد لها ذلك التعين في الشريعة، فمن وقع في البدعة المكفرة لم تجز الصلاة خلفه مع أنه قد يختلف حال عوام المبتدعة عن قادتهم، كما قدمنا بالفتوى رقم: 173949.
أما من وقع في البدع غير المكفرة: فتجوز الصلاة خلفه، وأما الذهاب إلى الأماكن التي تقع بها البدع والمنكرات، فغير جائز، لئلا تنطلي على من لم يتسلح بالعلم الشرعي شبه المبتدعة وضلالاتهم، وقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا {الفرقان: 72}.
قال السعدي: أي: لا يحضرون الزور أي: القول والفعل المحرم، فيجتنبون جميع المجالس المشتملة على الأقوال المحرمة، أو الأفعال المحرمة، كالخوض في آيات الله..... والغناء المحرم، وشرب الخمر.
وجاء في الموسوعة الفقهية: قال العلماء: مجالسة أهل المنكر لا تحل، وقال ابن خويز منداد: من خاض في آيات الله تركت مجالسته وهجر، مؤمنا كان، أو كافرا، واستدلوا بقوله تعالى: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ـ ولقوله تعالى: وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم ـ قال القرطبي: فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر... وقال الجصاص: وفي هذه الآية دلالة على وجوب إنكار المنكر على فاعله، وأن من إنكاره إظهار الكراهية إذا لم يمكنه إزالته، وترك مجالسة فاعله والقيام عنه حتى ينتهي ويصير إلى حال غيرها. اهـ.
وقال الشيخ منصور سبط الطبلاوي في حاشيته على تحفة المحتاج: وكل ما حَرُم حرُم التفرج عليه، لأنه إعانة على المعصية. اهـ.
وقال البيجرمي في حاشيته على تحفة الخطيب: وما هو حرام في نفسه يحرم التفرج عليه، لأنه رضًا به، كما قال ابن قاسم على المنهج. اهـ.
وأما سبهم: فلا يجوز إن خيف أن يسبوا الصحابة ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ من باب سد الذرائع، فقد قال الله تعالى: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {الأنعام:108}.
قال القرطبي رحمه الله تعالى في كتابه الجامع لأحكام القرآن: قال العلماء: حكمها باقٍ في هذه الأمة على كل حال، فمتى كان الكافر في منعة وخيف أن يسب الإسلام، أو النبي صلى الله عليه وسلم أو الله عز وجل، فلا يحل لمسلم أن يسب صلبانهم ولا دينهم ولا كنائسهم، ولا يتعرض إلى ما يؤدي إلى ذلك، لأنه بمنزلة البعث على المعصية. انتهى.
والله أعلم.