الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فسؤالك متشعب، وفيه طول، نجمل الجواب عنه في النقاط التالية:
أولا: أن الزكاة الواجبة تثبت في الذهب إذا بلغ نصابا، وحال عليه الحول الهجري، ونصاب الذهب هو عشرون مثقالا وهو ما يساوي 85 جراما من الذهب الخالص تقريبا (وهو المعروف بعيار 24).
فإذا لم يكن الذهب خالصا، وهو الذي يسميه العلماء بالمغشوش وهو ما خالطه غير الذهب، فالراجح أنه يزكى الخالص منه فقط، فيحسب مقدار الذهب الموجود في السبيكة، فإذا بلغ نصابا وجبت زكاته، ولا يحسب معه ما ضم إليه من معادن أخرى أو فصوص من غيره ممّا لا تجب فيه الزكاة.
قال ابن قدامة في المغني: وَمَنْ مَلَكَ ذَهَبًا, أَوْ فِضَّةً مَغْشُوشَةً, أَوْ مُخْتَلِطًا بِغَيْرِهِ, فَلا زَكَاةَ فِيهِ, حَتَّى يَبْلُغَ قَدْرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ نِصَابًا; لِقَوْلِهِ عليه السلام: { لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ }. انتهى.
وقال النووي في منهاج الطالبين: وَلا شَيْءَ فِي الْمَغْشُوشِ حَتَّى يَبْلُغَ خَالِصُهُ نِصَابًا. انتهى.
وجاء في الموسوعة الفقهية في بيان مذاهب العلماء في زكاة الذهب المخلوط بغيره: اختلف الفقهاء في وجوب الزكاة في المغشوش. فذهب الشافعية، والحنابلة إلى أنه لا تجب الزكاة في المغشوش من النقدين حتى يبلغ خالصه نصابا، فإذا بلغه أخرج الواجب خالصا، أو أخرج من المغشوش ما يعلم اشتماله على خالص بقدر الواجب مع مراعاة درجة الجودة. انتهى.
وأما طريقة حساب الذهب الخالص من المخلوط كعيار 21، وعيار 18، وغيرهما، فيكون بضرب عدد الجرامات في العيار المطلوب تزكيته (مثلا 21)، وقسمة الناتج على أربعة وعشرين، فإذا بلغ الحاصل نصابا وجبت زكاته. وللفائدة راجع هذه الفتوى رقم: 125255.
وبهذه الطريقة تعلم أن ما نقلته عن الشيخ مصطفى العدوي من أن نصاب الحلي من عيار 21 يساوي 97.2 (تقريبا) صحيح.
ولو نقص النصاب نقصا يسيرا وجبت فيه الزكاة.
قال الخرشي في شرح خليل: وَجَزَمَ سَنَدٌ فِي الطِّرَازِ أَنَّهَا لِلتَّقْرِيبِ حَتَّى لَوْ نَقَصَتْ الْيَسِيرَ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ الْيَسِيرَ كَالْعَدَمِ. انتهى.
وقال الزركشي في شرحه على مختصر الخرقي: ظاهر كلام الخرقي هنا أن النصاب هنا تحديد، فلو نقص يسيراً فلا زكاة فيه، لقوله: ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ) وهو قول القاضي، قال: إلا أن يكون نقصاً يدخل [ في ] المكاييل، كالأوقية ونحوها فلا تؤثر، وهذا إحدى الروايتين، ( والثانية ): أنه تقريب، وعليها قال في التلخيص: لا تسقط إلا بمقدار لو وزع على الخمسة أوسق لظهر النقصان . انتهى.
ثانيا: ذهب جمهور العلماء إلى القول بأنه لا زكاة في حلي المرأة المعد للاستعمال، سواء كان استعمالاً دائماً، أم كان استعمالاً في أوقات التزين فقط. وهذا القول بعدم الوجوب مروي عن خمسة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يقولون: لا زكاة في حلي النساء. وذهب الإمام أبو حنيفة- رحمه الله تعالى- إلى القول بوجوب الزكاة في الذهب الذي تعده المرأة للبس والتزين به، وهو الذي ذهب إليه بعض أهل العلم المعاصرين. والمفتى به عندنا هو أن الزكاة لا تجب لكن الأحوط إخراجها، كما في الفتوى رقم: 2870.
وعليه فإن كانت والدتك تتبع مذهب الجمهور في عدم زكاة الحلي المعد للاستعمال، فلها ذلك، وليس من حقك إلزامها بإخراج الزكاة، كما أنه لا يجوز لك التشكيك في قولها، أو قول والدك من غير بينة ولا برهان.
ثالثا: إذا بلغ المال الزكوي النصاب وحال عليه الحول وجبت فيه الزكاة، والحول المعتبر هو الحول الهجري، وأما اعتبار التأريخ الميلادي للزكاة فلا يصح ويؤدي إلى تأخيرها، وهذا غير جائز. وانظر تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 157753.
رابعا: من لم يخرج الزكاة عن سنين ماضية، وجب عليه أن يخرجها فورا، وسواء كان ذلك عن جهل أو كسل، ولا تسقط الزكاة بالتقادم؛ لأنها حق لأهل الزكاة.
جاء في فتوى اللجنة الدائمة قولهم:
أ - من وجبت عليه زكاة وأخرها بغير عذر مشروع أثم؛ لورود الأدلة من الكتاب والسنة بالمبادرة بإخراج الزكاة في وقتها.
ب - من وجبت عليه زكاة ولم يخرجها في وقتها المحدد وجب عليه إخراجها بعد، ولو كان تأخيره لمدة سنوات فيخرج زكاة المال الذي لم يزك لجميع السنوات التي تأخر في إخراجها، ويعمل بظنه في تقدير المال وعدد السنوات إذا شك فيها، لقول الله عز وجل: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ. انتهى .
خامسا: في حكم أخذك زكاة مال أبويك: فإن كنت مكتسباً فإن نفقتك لا تجب على أبيك، وأما إن كنت فقيرا ولم تجد كسبا فالراجح أن نفقتك تجب على أبيك، وينبني على هذا التفريق أنه لو كانت نفقتك تجب على أبيك فلا يجوز لك أخذ زكاته، وأما إن كانت نفقتك لا تجب على أبيك فيجوز لك أخذ زكاة أمواله إن كنت فقيرا.
قال النووي في المجموع: وأما إذا كان الولد، أو الوالد فقيراً أو مسكيناً وقلنا في بعض الأحوال لا تجب نفقته، فيجوز لوالده وولده دفع الزكاة إليه من سهم الفقراء والمساكين بلا خلاف؛ لأنه حينئذٍ كالأجنبي. انتهى.
ولكن إذا كان المنفق عاجزا عن النفقة، فقد أجاز بعض أهل العلم له أن يدفع زكاة ماله إلى والديه، أو أولاده ممن لزمته نفقتهم وعجز عنها ـ وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ
قال ابن قاسم في حاشية الروض: وقال شيخ الإسلام: يجوز دفع الزكاة إلى الوالدين، والولد، إذا كانوا فقراء وهو عاجز عن الإنفاق عليهم، وهو أحد القولين في مذهب أحمد، ويشهد له العمومات. وقال: الأقوى جواز دفعها إليهم في هذه الحال؛ لأن المقتضي موجود، والمانع مفقود، فوجب العمل بالمقتضي السالم عن المعارض المقاوم. وقال أيضًا: إن كان محتاجًا إلى النفقة، وليس لأبيه ما ينفق عليه، ففيه نزاع، والأظهر أنه يجوز له أخذ زكاة أبيه، وأما إن كان مستغنيًا بنفقة أبيه، فلا حاجة به إلى زكاته. انتهى.
وفهم مما سبق ومن سؤالك أنه يجوز لك أخذ زكاة مال أمك إن كنت فقيرا؛ وكان أبوك وأمك عاجزين عن سد نفقتك الواجبة، والتي منها نفقة الزواج، أو أخذ هذه الزكاة لإنشاء مشروع يكفيك ما تحتاجه من زواج ونحوه.
قال الرملي في نهاية المحتاج ممزوجا بمتن المنهاج في الفقه الشافعي: ويعطى الفقير والمسكين إن لم يحسن كل منهما كسباً بحرفة، ولا تجارة كفاية سنة. والأصح كفاية عمره الغالب؛ لأن القصد إغناؤه. أما من يحسن حرفة تكفيه لائقة، فيعطى ثمن آلة حرفته وإن كثرت، أو تجارة فيعطى رأس مال يكفيه. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتاوى: 139301، 28572، 129921، 101496، 117243.
ثم ننبهك أنه يحق لك أن تأخذ من مال أبيك أو أمك ما وهباه لك وإن كان هذا المال وجبت فيه الزكاة ولم يزك. وراجع الفتوى رقم: 198429 .
والله أعلم.