الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على اختيار الصحبة الصالحة, والإعراض عن الصحبة السيئة، ففي الصحيحين وغيرهما عن أبي موسى الأشعري مرفوعًا: مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ, فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ, وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ, وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً, وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ, وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً.
قال تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ {الزخرف:67}.
وقد مدح الله في كتابه الحكيم المعرضين عن الزور واللغو فقال: وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا {الفرقان:72}. قال ابن سعدي - رحمه الله -في تفسيره: أي: لا يحضرون الزور أي: القول والفعل المحرم، فيجتنبون جميع المجالس المشتملة على الأقوال المحرمة أو الأفعال المحرمة، كالخوض في آيات الله, والجدال الباطل, والغيبة, والنميمة, والسب, والقذف, والاستهزاء, والغناء المحرم, وشرب الخمر, وفرش الحرير، والصور, ونحو ذلك.
وقال جل وعلا: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ {المؤمنون:1-3}.
قال ابن سعدي: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ} وهو الكلام الذي لا خير فيه ولا فائدة، {مُعْرِضُونَ} رغبةً عنه، وتنزيهًا لأنفسهم، وترفعًا عنه، وإذا مرّوا باللغو مرّوا كرامًا، وإذا كانوا معرضين عن اللغو، فإعراضهم عن المحرّم من باب أولى وأحرى، وإذا ملك العبد لسانه وخزنه - إلا في الخير - كان مالكًا لأمره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين وصاه بوصايا قال: "ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟" قلت: بلى, يا رسول الله، فأخذ بلسان نفسه وقال: "كف عليك هذا", فالمؤمنون من صفاتهم الحميدة كفُّ ألسنتهم عن اللغو والمحرمات. اهـ
ولا جَرَم أن مجالس الفحش والبذاءة لا خير فيها، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الترمذي في باب ما جاء في حسن الخُلُق من حديث أبي الدرداء: مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ, وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ. قال الترمذي: وهذا حديث حسن صحيح.
وروى الإمام أحمد في مسنده والبيهقي في شعب الإيمان: ليس المؤمن بالطعان, ولا اللعان, ولا الفاحش البذيء.
وفي البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: يَا عَائِشَةُ, مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا؟ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ.
فالواجب عليك الإنكار على من يتكلم بالفحش, أما وقد أنكرت كثيرًا ونصحت دون فائدة، فالذي ينبغي منك اجتناب مجالسهم قدر الإمكان، كأن تشغل نفسك بعملك, أو بما ينفعك في أمر دينك وآخرتك، أو بأي مباح حذرًا من الوقوع معهم في خوضهم, أو سماعه، ولذلك قال تعالى مادحًا هذا الصنف: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ {القصص:55}.
بارك الله فيك, ووفقنا وإياك وإياهم لما يحبه ويرضاه, وتاب علينا وعليهم.
والله تعالى أعلم.