الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقاعدة في ذلك أنه لا يجوز إثبات أو اعتقاد سبب لشيء ما إلا إذا ثبت أن الله تعالى قد جعله سببًا كونيًا أو شرعيًا, قال الشيخ محمد الصالح العثيمين في القول المفيد على كتاب التوحيد: كل من أثبت سببًا لم يجعله الله سببًا شرعيًا ولا قدريًا، فقد جعل نفسه شريكًا مع الله. والناس في الأسباب طرفان ووسط:
الأول: من ينكر الأسباب، وهم كل من قال بنفي حكمة الله، كالجبرية، والأشعرية.
الثاني: من يغلو في إثبات الأسباب حتى يجعلوا ما ليس بسبب سببًا، وهؤلاء هم عامة الخرافيين من الصوفية ونحوهم.
الثالثة: من يؤمن بالأسباب وتأثيراتها، ولكنهم لا يثبتون من الأسباب إلا ما أثبته الله سبحانه ورسوله، سواء كان سببًا شرعيًا أو كونيًا.
ولا شك أن هؤلاء هم الذين آمنوا بالله إيمانًا حقيقيًا، وآمنوا بحكمته، حيث ربطوا الأسباب بمسبباتها، والعلل بمعلولاتها، وهذا من تمام الحكمة.اهـ
على ذلك, فإن ثبت علميًا ذلك الكلام المذكور في المقال فعلى العين والرأس، وأما إن كان مجرد نظريات وظنون، فلا يخرج عن كونه طيرة شركية.
على أن بعض الأمثلة الواردة في المقال تفوح منها رائحة التشاؤم والطيرة بوضوح, ولم يرد في المقال أي سند علمي لها, وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الطيرة شرك. رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه.
ففي فتح الباري لابن حجر: وأصل التطير أنهم كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطير, فإذا خرج أحدهم لأمر فإن رأى الطير طار يمنة تيمن به واستمر, وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع, وربما كان أحدهم يهيج الطير ليطير فيعتمدها, فجاء الشرع بالنهي عن ذلك. اهـ
قال في القول المفيد: وقوله: (شرك) أي: إنها من أنواع الشرك... فإذا تطير إنسان بشيء رآه أو سمعه، فإنه لا يعد مشركًا شركًا يخرجه من الملة، لكنه أشرك من حيث إنه اعتمد على هذا السبب الذي لم يجعله الله سببًا، وهذا يضعف التوكل على الله, ويوهن العزيمة، وبذلك يعتبر شركًا من هذه الناحية، والقاعدة: "إن كل إنسان اعتمد على سبب لم يجعله الشرع سببًا، فإنه مشرك شركًا أصغر". وهذا نوع من الإشراك مع الله، إما في التشريع إن كان هذا السبب شرعيًا، وإما في التقدير إن كان هذا السبب كونيًا، لكن لو اعتقد هذا المتشائم المتطير أن هذا فاعل بنفسه دون الله، فهو مشرك شركًا أكبر، لأنه جعل لله شريكًا في الخلق والإيجاد.
وعلى ذلك فنرى عدم جواز نشر هذا الكلام إلا إذا ثبتت صحته بالبراهين العلمية, وقد قال صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع. رواه مسلم.
والله أعلم.