الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فننصحك بالبعد عن الاسترسال مع الشيطان في هذه الوساوس, واشغلي نفسك عنها بالتعلم والعمل الصالح.
واعلمي أن الكفر ليس بالهين, ومن دخل في الإسلام بيقين فلا يخرج منه إلا بيقين, ولا مدخل للاحتمالات فيه, فمن صدر منه شيء يحتمل الردة وغيرها لا يكفر بذلك, كما قال علي القاري في شرح الشفا: قال علماؤنا: إذا وجد تسعة وتسعون وجهًا تشير إلى تكفير مسلم, ووجه واحد على إبقائه على إسلامه, فينبغي للمفتي والقاضي أن يعملا بذلك الوجه، وهو مستفاد من قوله عليه السلام: ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم, فإن وجدتم للمسلم مخرجًا فخلوا سبيله, فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة. رواه الترمذي والحاكم. اهـ.
ثم إن العبد تشرع له التوبة والاستغفار من الشرك المحتمل حصوله, ويكفيه أن يستغفر الله مما عمل وما لم يعمل، فعن أبي موسى الأشعري قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم, فقال: يا أيها الناس؛ اتقوا هذا الشرك, فإنه أخفى من دبيب النمل، فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل - يا رسول الله -؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئًا نعلمه, ونستغفرك لما لا نعلمه. رواه أحمد, وحسنه الألباني.
وروى البخاري في الأدب المفرد عن معقل بن يسار قال: انطلقت مع أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده, للشرك أخفى من دبيب النمل، ألا أدلك على شيء إذا قلته ذهب عنك قليله وكثيره؟ قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم. وصححه الألباني.
ولكن هذه التوبة ليس من شروطها أن يبكي الإنسان, بل يكفي الندم, والعزم على عدم العود.
وأما علاج حالك وحال أهلك فمن وسائله: إقامة جلسات عائلية تتدارسون فيها ما تيسر من نصوص الوحيين في الترغيب والترهيب, والرقائق, والحض على الذكر, والتعلم, والأعمال الصالحة.
وأما ما ترين من أخطاء الأهل فإنك لا تؤاخذين بشيء منه, ولا تكفرين به ما دمت غير راضية.
ولا ننصحك بالخوض معهم ما دمت موسوسة؛ إذ قد تخطئينهم بما تظنينه حرامًا أو كفرًا, وليس كذلك.
ولذا ينبغي عدم الخوض في تلك الملاحظات, والعمل الدؤوب على التفقه في الدين, وكثرة التلاوة, والنظر في كتب الرقائق, وسير السلف, والعمل بكل ما وجدت فيه ترغيبًا في القرآن والحديث؛ وبذلك تجدين الهداية والثبات, كما قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا {النساء:66-68}.
والله أعلم.