الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الطهارة شرط من شروط صحة الصلاة، والفقهاء مختلفون فيمن ترك شرطا من شروط الصلاة جهلا بحكمه. هل تلزمه إعادة ما مضى من الصلوات أم لا؟
فمن العلماء من قال الشروط تسقط؛ كما هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال -رحمه الله تعالى: لو ترك الطهارة الواجبة لعدم بلوغ النص مثل أن يأكل لحم الإبل ولا يتوضأ. فهل عليه إعادة ما مضى؟ فيه قولان هما روايتان عن أحمد، ونظيره أن يمس ذكره ويصلي، ثم يتبين له وجوب الوضوء من مس الذكر. والصحيح في جميع هذه المسائل عدم وجوب الإعادة؛ لأن الله عفا عن الخطأ والنسيان؛ ولأنه قال: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً. فمن لم يبلغه أمر الرسول في شيء معين، لم يثبت حكم وجوبه عليه؛ ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر وعمارا لما أجنبا، فلم يصل عمر، وصلى عمار بالتمرغ أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة لما كان يجنب ويمكث أياما لا يصلي، وكذلك لم يأمر من أكل من الصحابة حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود بالقضاء، كما لم يأمر من صلى إلى بيت المقدس قبل بلوغ النسخ بالقضاء.. انتهى. مختصرا من الفتاوى الكبرى.
والقول الآخر أن الشروط لا تسقط بالجهل كما لا تسقط بالنسيان.
قال الرحيباني الحنبلي في مطالب أولي النهى: (وَلَا تَسْقُطُ) الشُّرُوطُ (عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا). انتهى.
ومثله في حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج للرملي الشافعي: .. لأن الشروط لا تسقط بالجهل ولا النسيان. انتهى.
وعلى هذا، فإذا صليت جنبا عن احتلام جاهلة بوجوب الغسل عليك، فإن المفتى به عندنا وجوب الإعادة كما في الفتوى رقم: 19776، وهو الأحوط والأبرأ للذمة؛ وانظري الفتوى رقم: 98617.
ولا إثم عليك لجهلك بالحكم، ويجب عليك قضاء هذه الصلوات، فإن كانت كثيرة لا تعلمين عددها على وجه اليقين، فإنك تقضين ما يغلب على ظنك براءة ذمتك به؛ وانظري الفتوى رقم: 58935.
وأما عن كيفية القضاء، فإنها تكون حسب الطاقة بما لا يضر ببدنك أو معاشك؛ فإن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها.
وانظري للفائدة الفتوى رقم: 65077.
والله أعلم.