الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمسألة سماع الأموات من المسائل الغيبية، ومسائل الغيب لا يجوز الخوض فيها إلا بوحي من الكتاب أو السنة، ولم نطلع بعد البحث على ما يفيد سماع الموتى دعاء من يدعو لهم في صلاته وهو بعيد عنهم، والراجح الذي عليه جمهور العلماء أن الميت يسمع كلام زائره في الجملة، ومن أدلة ذلك ما جاء في الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: وأما علم الميت بالحي إذا زاره وسلم عليه.. ففي حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه، إلا عرفه، ورد عليه السلام ـ قال ابن المبارك: ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، وصححه عبد الحق صاحب الأحكام. انتهى.
وقد سبق بيان المزيد من الأدلة من الكتاب والسنة على ذلك في الفتويين رقم: 134413، ورقم: 4276.
وقد عقد ابن قيم الجوزية فصلاً في كتاب الروح بين فيه خروج أرواح المؤمنين في النوم، وما يحدث لها مع أرواح الأموات فقال: وهل تتلاقى أرواح الأحياء وأرواح الأموات أم لا؟ شواهد هذه المسألة أكثر من أن يحصيها إلا الله تعالى، والحس الواقع من أعدل الشهود بها، فتلتقي أرواح الأحياء والأموات، كما تلتقي أرواح الأحياء. اهـ.
وقال أيضاً: وقد دل على التقاء أرواح الأحياء والأموات أن الحي يرى الميت في منامه فيستخبره، ويخبره الميت بما لا يعلم الحي، فيصادف خبره كما أخبر في الماضي والمستقبل. اهـ.
وقد ورد في تفسير قوله تعالى في سورة الزمر: الله يتوفي الأنفس حين موتها ـ الآية: عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: بلغني أن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام، فيتساءلون بينهم، فيمسك الله أرواح الموتى، ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها، وعن السدي قال: يتوفاها في منامها، فيلتقي روح الحي وروح الميت، فيتذاكران ويتعارفان، قال: فترجع روح الحي إلى جسده في الدنيا إلى بقية أجلها، وتريد روح الميت أن ترجع إلى جسده فتحبس. اهـ.
وأما عن الأعمال المحببة للموتى: فلا نعلم نصا فيها، ولكن الشارع رغب في التصدق عن الموتى والدعاء والاستغفار لهم، ففي الصحيحين: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي افتلتت نفسها ولم توص وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفلها أجر إن تصدقت عنها؟ قال: نعم. متفق عليه، واللفظ لمسلم.
وفي رواية أحمد والنسائي عن سعد بن عبادة: أن أمه ماتت، فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال: نعم قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء.
قال الحسن: فتلك سقاية آل سعد بالمدينة.
وقد روى البيهقي والبزار من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تبارك وتعالى ليرفع للرجل الدرجة فيقول: رب أنى لي هذه الدرجة؟ فيقول: بدعاء ولدك لك.
قال في المجمع: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير عاصم بن بهدلة، وهو حسن الحديث.
وقال النووي ـ رحمه الله ـ في شرح حديث: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية... وفيه أن الدعاء يصل ثوابه إلى الميت، وكذا الصدقة، وهما مجمع عليهما. انتهى.
وقال ابن مفلح في المبدع: وأي قربة من دعاء واستغفار وصلاة وصوم وحج وقراءة وغير ذلك فعلها مسلم وجعل ثوابها لميت مسلم نفعه، قال الإمام أحمد: الميت يصل إليه كل شيء من الخير، للنصوص الواردة. انتهى.
والله أعلم.