الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكر لك حرصك على تعلم دينك، ونسأل الله ألا يزيغ قلبك بعد أن هداك للإيمان، وأما ما سألت عنه: فجوابه أن الشيطان لا يحرص على من هم رهن إشارته، وإنما يحرص كل الحرص على من تفلتوا من يديه، فيأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن شمائلهم يريد أن يصدهم عما هم عليه من الاستقامة والقرب من الله تلك، هي غايته في هذه الدنيا، فاجعل عداوتك معه وحرصك على أن لا يغلبك على أمرك ولا يصدك عما أنت عليه من الخير، والأمر يحتاج مجاهدة نفس، وقد نقل عن أحد السلف قوله: كابدت الصلاة عشرين سنة حتى وجدت لذتها.
واعلم أن كيد الشيطان ضعيف، فاستعذ بالله منه، ودم على ما أنت عليه من الحرص على الصلاة في المسجد، ففي الصحيحين عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: من سره أن يلقى الله تعالى غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهنَّ.
وقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه أتى النبي رجلٌ أعمى فقال: يا رسول الله ليس لي قائد يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته، فرخص له، فلما ولَّى دعاه، فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب.
وفي حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذرٍ. رواه الحاكم وابن حبان وابن ماجه، وصححه الألباني.
واحتسب أجر ما تجده من عناء ومشقة، وجاهد نفسك على الحضور في الصلاة والخشوع فيها حتى تجد لذتها، فمن وجدها ملأت سمعه وبصره، فلا يشعر فيها بما حوله، لاستغراقها لجميع حواسه، روي أن أحد السلف احتيج إلى قطع رجله بسبب علة فيها، فقال: اقطعوها حينما أدخل في صلاتي، وفعلوا، لأنها اللحظة التي يغيب فيها إحساسه وشعوره، للذة مناجاته لربه، وأما بحثك عمن لا يطيل فلا إثم فيه، وكذا لو بحثت عن مسجد تشعر فيه بالراحة والطمانينة لنظافته أو حسن سلوك جماعته، أو غير ذلك فلا حرج عليك فيه أيضا، وينبغي أن تنبه الإمام أومسؤول المسجد حينما تلاحظ ما ينبغي تنزيه المسجد عنه مما يؤذي المصلين ويشغل بالهم ويقطع خشوعهم ليتداركوا ذلك فيما يستقبل وينبهوا المصلين عليه وهكذا.
والله أعلم.