الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأغاني المشتملة على الموسيقى ونحوها محرمة، كما دلت على ذلك النصوص، وإجماع العلماء، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 5282.
وأما الأغاني الخالية من المعازف المحرمة، كالأغاني المقتصرة على الدف: فلا حرج فيها، لا سيما في الأعراس، لما جاء في الحديث: فصل بين الحلال، والحرام الدف، والصوت في النكاح.
وانظر الفتوى رقم: 43309.
فإن كانت الأغاني المصاحبة للوليمة أغاني محرمة، فلا يجوز لك شهودها، لقوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ {النساء:140}.
قال القرطبي: فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ـ أي غير الكفر: إنكم إذا مثلهم ـ فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر، لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضا بالكفر كفر، قال الله عز وجل: إنكم إذا مثلهم ـ فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية. اهـ.
جاء في الإقناع وشرحه: وإن علم المدعو أن في الدعوة منكرا ـ كالزمر والخمر والعود والطبل ونحوه ـ كالجنك والرباب، أو علم أن فيها آنية ذهب، أو فضة، أو فرشا محرمة وأمكنه إزالة المنكر ـ لزمه الحضور والإنكار، لأنه يؤدي بذلك فرضين: إجابة أخيه المسلم، وإزالة المنكر، وإن لم يقدر على إزالة المنكر لم يحضر، وحرمت الإجابة، لقوله صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر ـ رواه أحمد من حديث عمر، والترمذي من حديث جابر. اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: الفقهاء متفقون على أن من دعي إلى وليمة وعلم قبل الحضور بوجود الخمور أو الملاهي وما أشبه ذلك من المعاصي فيها، وهو لا يقدر على إنكار المنكر وإزالته، فإنه يسقط وجوب الإجابة في حقه ثم اختلفوا في جواز حضوره في هذه الحالة، فذهب الشافعية في أظهر الوجهين ـ وهو الصحيح ـ والحنابلة إلى أنه يحرم عليه الحضور، لحديث جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر، ولأنه يكون قاصدا لرؤية المنكر أو سماعه بلا حاجة، وصرح الحنفية بأن من دعي إلى وليمة عليها لهو إن علم به قبل الحضور لا يجيب، لأنه لم يلزمه حق الإجابة، وقال الشافعية في وجه جرى عليه العراقيون: الأولى أن لا يحضر، ويجوز أن يحضر ولا يستمع وينكر بقلبه، كما لو كان يضرب المنكر في جواره، فلا يلزمه التحول وإن بلغه الصوت، واستدلوا على جواز الحضور بأنه ربما أحشمهم حضوره فكفوا وأقصروا، وقد حكي أن الحسن البصري ومحمد بن كعب القرظي دعيا إلى وليمة فسمعا منكرا فقام محمد لينصرف فجذبه الحسن وقال: اجلس ولا يمنعك معصيتهم من طاعتك، ونص الشافعية والحنابلة على أنه إن علم وجود المنكر قبل حضوره، فإن كان المنكر يزول بحضوره لنحو علم أو جاه فليحضر وجوبا، إجابة للدعوة وإزالة للمنكر، ولا يمنع الوجوب وجود من يزيله غيره، لأنه ليس للإزالة فقط. اهـ.
والأصل أنه لا يجوز أن تدعو أحدا للوليمة إن كانت بها أغان محرمة، لئلا تعينهم على شهود المنكر، فتبوء بإثمهم، وقد قال تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}.
لكن إن كان هناك محل في مكان الوليمة لا تسمع فيه الأغاني فيجوز لك الحضور والجلوس فيه، وأن تدعو أصدقاءك للحضور والجلوس فيه، جاء في الإقناع وشرحه: وإن علم المدعو به ـ أي بالمنكر ـ ولم يره ولم يسمعه فله الجلوس والأكل نصا، لأن المحرم رؤية المنكر أو سماعه، ولم يوجد، وله الانصراف، فيخير لإسقاط الداعي حرمة نفسه بإيجاد المنكر. اهـ.
وكون الوليمة لعرس لأختك لا يبيح لك شهود الأغاني المحرمة، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: إذا كان هذا الابن يستطيع عند حضوره حفل زواج أخته أن يمنع أو يخفف من المنكرات التي تقام في هذا الحفل، فإنه لا مانع من حضوره هذا الحفل، لما فيه من المصلحة من تغيير المنكر، أما إن كان لا يستطيع ذلك، فلا يجوز له حضور هذا الحفل، لما فيه من الإعانة على المنكر وتشجيعه والرضا به، ولا مانع من قضاء الحاجات والطلبات التي يطلب والده منه شراءها إذا كانت مباحة، ولم يكن في ذلك إعانة على معصية الله. اهـ.
والله أعلم.