الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الله عز وجل خلق الخلق ليذعنوا بالعبودية له سبحانه ويلتزموا شرعه، ولم يخلق الله الإنسان ليكون حرا من العبودية لله فيفعل ما يشاء، قال سبحانه: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ {المؤمنون:115}. وقال جل شأنه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56}.
والإنسان إن لم يكن عبدا لله باختياره عبودية خاصة بالتزام شرعه، فهو داخل في العبودية العامة الكونية، وهي عبودية القهر والملك لله، التي يشترك فيها جميع الخلق، كما قال تعالى: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا {مريم:93}.
والاعتراض على الحكم الشرعي بعبارة: حرية شخصية ـ غلط شنيع، وقد سبق أن بينا بإسهاب خطورة الاحتجاج بهذه العبارة في اقتراف المعاصي، فراجع ذلك في الفتوى رقم: 105732.
وعلى المؤمن أن يحرص في نصحه للناس على التجرد لله، ويعلم أنه مكلف بالبلاغ فحسب، والهداية بيد الله جل وعلا، قال الله: مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ {المائدة:99}. وقال سبحانه لخير خلقه: فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ {الشورى:48}.
وليحترس المسلم من أن يحمله رد الناس لنصحه على الانتصار لنفسه، فيقدم على مماراتهم في الحكم الشرعي، لمجرد إفحامهم، فهذا نوع من الهوى الخفي، جاء عن الحسن البصري أنه قال: المؤمن يداري, ولا يماري, ينشر حكمة الله، فإن قبلت حمد الله, وإن ردت حمد الله. ذكره الآجري في أخلاق العلماء.
والله أعلم.