الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأثر المذكور رواه ابن أبي شيبة وغيره عن ابن مسعود قال: لَا تَهُذُّوا الْقُرْآنَ، كَهَذِّ الشِّعْرِ، وَلَا تَنْثُرُوهُ نَثْرَ الدَّقَلِ، وَقِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ، وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ. وفي رواية: لا تنثروه نثر الدقل، ولا تهذوه هذ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة.
والقصد من هذا الأثر وغيره مما ورد عن السلف الصالح، الحث على تدبر القرآن الكريم، وقراءته بتؤدة وتدبر، وعدم هذّه بسرعة زائدة، ولا يكن همّ القارئ هو الانتهاء من السورة، أو قراءة أكبر كمية على حساب الكيف.
جاء في شرح البخاري لابن بطال: وقال أبو حمزة: قلت لابن عباس: إني سريع القراءة، وإني أقرأ القرآن في ثلاث، فقال: لأن أقرأ البقرة في ليلة فأتدبرها، وأرتلها خير من أن أقرأ كما تقول. وقال مرة: خير من أجمع القرآن هذرمة.
وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني: فِيهِ: النَّهْي عَن الهذ. وَفِيه: الْحَث على الترسل والتدبر، وَبِه قَالَ جُمْهُور الْعلمَاء، وَقَالَ القَاضِي: وأباحت طَائِفَة قَليلَة الهذ.
وليس فيه ما يعارض قوله صلى الله عليه وسلم: من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين... الحديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود؛ لأن الحديث في الحث على قراءة القرآن، والقيام به في الصلاة وفي غيرها. كما جاء في مرقاة المفاتيح للملا قاري: وَقَالَ الطِّيبِيُّ، أَيْ: مِنَ الَّذِينَ قَامُوا بِأَمْرِ اللَّهِ وَلَزِمُوا طَاعَتَهُ، وَخَضَعُوا لَهُ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا شَكَّ أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ وَقْتٍ لَهَا مَزَايَا وَفَضَائِلُ، وَأَعْلَاهَا أَنْ تَكُونَ فِي الصَّلَاةِ، لَا سِيَّمَا فِي اللَّيْلِ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: 6]. وللمزيد من الفائدة انظر الفتويين: 133659 ، 134878.
والله أعلم.