الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكان على السائل أن يتعرف على حال هذين الشخصين قبل أن يفتيهما بجواز قصر الظهر وجمعها مع العصر، مثل أن يٍسألهما عن حقيقة سفرهما، وهل هو مسافة قصر؟ وهل هما مقيمان إقامة تقطع حكم السفر؟ إلى غير ذلك من الأمور التي يترتب عليها مشروعية القصر والجمع, ويشهد لما ذكرنا ما نبه عليه بعض أهل العلم من كون المفتي لا يجيب السائل إجابة مطلقة في مسألة تحتاج إلى تفصيل, جاء في إعلام الموقعين لابن القيم: ليس للمفتي أن يطلق الجواب في مسألة فيها تفصيل إلا إذا علم أن السائل إنما سأل عن أحد تلك الأنواع، بل إذا كانت المسألة تحتاج إلى التفصيل استفصله، كما استفصل النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا لما أقر بالزنا: هل وجد منه مقدماته أو حقيقته؟ فلما أجابه عن الحقيقة استفصله: هل به جنون، فيكون إقراره غير معتبر؟ أم هو عاقل؟ فلما علم عقله استفصله: بأن أمر باستنكاهه، ليعلم هل هو سكران أم صاح؟ فلما علم أنه صاح استفصله: هل أحصن أم لا؟ فلما علم أنه قد أحصن أقام عليه الحد ـ إلى أن قال بعد الكثير من الأمثلة: فكثيرا ما يقع غلط المفتي في هذا القسم، فالمفتي ترد إليه المسائل في قوالب متنوعة جدا، فإن لم يتفطن لحقيقة السؤال وإلا هلك وأهلك، فتارة تورد عليه المسألتان صورتهما واحدة وحكمهما مختلف، فصورة الصحيح والجائز صورة الباطل والمحرم، ويختلفان بالحقيقة، فيذهل بالصورة عن الحقيقة فيجمع بين ما فرق الله ورسوله بينه. انتهى.
وبناء على ما سبق, فالظاهر أنك قصرت فيما كان عليك أن تفعله, وعليك المبادرة بالتوبة إلى الله تعالى, ولا تعد لمثل هذا الأمر, ثم إنه لا بد من تنبيهك على الأمور التالية:
1ـ المسافر لا ينقطع سفره إلا بإقامة أربعة أيام بلياليها فأكثر، ولا ينقطع القصر بإقامة ثلاثة أيام أو أقل من ذلك، كما سبق في الفتوى رقم: 143971.
2ـ المسافر إذا صلى الظهر جمعا, وقصرا في وقت الظهر ثم وصل إلى قريته في وقت العصر, فإنه لا يطالب بإعادة صلاة العصر، لأن الجمع قد حصل بوجه جائز, وإن كان الأفضل عدم الجمع في هذه الحالة، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 119018.
3ـ من أراد جمع الظهر مع العصر فلا بد من نية الجمع عند الإحرام بالظهر، كما سبق في الفتوى رقم: 60174.
والله أعلم.