الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن حقيقة الاستخارة: هي تفويض العبد أمره إلى الله تعالى ليختار له الأصلح، لأنه سبحانه العليم القدير، قال المناوي في فيض القدير: والاستخارة طلب الخيرة في الأمور منه تعالى، وحقيقتها تفويض الاختيار إليه سبحانه، فإنه الأعلم بخيرها للعبد، والقادر على ما هو خير لمستخيره إذا دعاه أن يخير له فلا يخيب أمله، والخائب من لم يظفر بمطلوبه. اهـ.
وانشراح الصدر ونحوه ليس بدليل قاطع على نتيجة الاستخارة، بل المطلوب من العبد بعد الاستخارة أن يمضي في الأمر، والتوفيق إليه من عدمه هو نتيجة هذه الاستخارة، كما بينا بالفتوى رقم: 160347.
وعدم التوفيق إلى هذا الأمر المعين لا يلزم أن يكون بسبب سخط الله على عبده، بل قد يكون ذلك هو الأصلح له، بدليل ما في لفظ الاستخارة: وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ـ أو قال في عاجل أمري وآجله ـ فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به.
وأما الاستقامة ومزيد الطاعة والتوبة والإنابة: فإنها مطلوبة في كل وقت وعلى كل حال.
وما سألت عنه في قولك: هل ما أفعله هو من باب المثابرة والاجتهاد، أم أن الله يمنع عني هذا وغير مقدر لي وأنا أصر على الاستكمال؟ وقولك: كيف أعرف الفارق بين الاجتهاد والإصرار والصبر، وبين مشيئة الله في عدم تقدير هذا الأمر لي؟ فذلك كله متعلق بأمر غيبي لا يمكن الجزم فيه بشيء، وما يمكننا قوله: هو أن بذل الأسباب والاجتهاد في ذلك مطلوب شرعا، وبعدها يفوض العبد أمره إلى الله تعالى، فإذا لم يوفقه فلله في ذلك حكمة، فعليه أن يسلم ويرضى بقدر الله، ومجيء الشيء على خلاف ما يتمنى الشخص ويهوى لا يدل على أنه لم يكن هو الخير، قال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}.
والله أعلم.