الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل أن هجر المسلم لا يجوز أكثر من ثلاثة أيام؛ لما ثبت في الصحيحين من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا. وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.
أما ما زاد على ذلك فإنه معصية عظيمة، والمصر عليه على خطر عظيم. ومن شؤم هذه المعصية أنها سبب في حرمان صاحبها من مغفرة ذنوبه، وعدم عرض أعماله على الله تعالى وعدم رفعها، فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين والخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا.
واعلمي أيتها السائلة أن فساد ذات البين من المهلكات، فعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام، والصلاة، والصدقة، قالوا بلى قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين. رواه الترمذي وصححه الألباني.
فاحرصي على أن تتصالحي مع صديقاتك، فلعلك أخطأت في ظنك؛ فإن الظن أكذب الحديث، وكوني خير الفريقين وابدئي بالسلام عليهن، والتحاور معهن لحل جميع المشاكل، مع العفو والتسامح بينكن، خصوصا مع من وصفتهن بأعز الصديقات. قال الله تعالى: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {النور: 22}. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله.
فإن بذلت الأسباب الممكنة في إصلاح ذات البين ولم تُجْدِ نفعا، فيجوز لك هجر من كانت في صحبتها مضرة عليك، وكذا ترك من كانت مخالطتها مؤذية، على أن يكون الهجر جميلا، بحيث تؤدين الحق الواجب عليك من السلام وغيره في حدود المعاملة الضيقة. قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر: أجمعوا على أنه يجوز الهجر فوق ثلاث، لمن كانت مكالمته تجلب نقصاً على المخاطب في دينه، أو مضرة تحصل عليه في نفسه، أو دنياه. فرب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. انتهى.
وأما الدعاء على التي ظلمتك، فيجوز إن تحقق ظلمها؛ فقد ثبت في الصحيحين أن سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد دعوا على من ظلمهما، ولكن ننصحك بالعفو والصفح، لقوله تعالى: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ.
وللفائدة يرجى مراجعة الفتاوى التالية أرقامها: 68976 ، 111346 ، 70611 ، 145881.
والله أعلم.