الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن البشر من بني آدم موجودون على الأرض التي امتن الله تعالى بها عليهم، وجعلها مستقرا لهم وذلولا، ومهادا يمشون في مناكبها، ويعمرونها بما تيسر من أنواع العمارة؛ فقد قال الله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ {البقرة:36}.
قال الطبري: مستقر فوق الأرض، ومستقر في الرحم، ومستقر تحت الأرض، يصير إلى الجنة أو النار. اهـ.
وقال ابن كثير: ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين، أي قرار وأرزاق، وآجال إلى حين، أي وقت ومقدار معين ثم تقوم القيامة. اهـ.
ويقول الله تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ {الملك:15}. وقال تعالى مخبراً عن نبيه صالح أنه قال لقومه: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا [هود: 61].
قال ابن كثير رحمه الله: أي جعلكم عُمّاراً تعمرونها وتستغلونها. انتهى.
وكل ما سوى الله تعالى مخلوق، والله مستو على عرشه بائن من خلقه، وهو سبحانه فوقهم جميعا، لا تبلغه الأوهام، ولا تدركه العقول والأفهام .
قال الإمام ابن بطة العكبري- رحمه الله- قال في كتابه الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية: "باب الإيمان بأن الله على عرشه بائن من خلقه وعلمه محيط بخلقه.
أجمع المسلمون من الصحابة والتابعين، وجميع أهل العلم من المؤمنين، أن الله تبارك وتعالى على عرشه فوق سمواته، بائن من خلقه، وعلمه محيط بجميع خلقه، ولا يأبى ذلك ولا ينكره إلا من انتحل مذاهب الحلولية، وهم قوم زاغت قلوبهم واستهوتهم الشياطين، فمرقوا من الدين وقالوا : إن الله ذاته لا يخلو منه مكان. انتهى.
والله أعلم.