الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحشر لا يغادر أحدًا، كما قال تعالى: وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا [الكهف: 47] قال ابن كثير: قوله: {وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدًا} أي: وجمعناهم، الأولين منهم والآخرين، فلم نترك منهم أحدًا، لا صغيرًا ولا كبيرًا، كما قال: {قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم} [الواقعة:50، 49] وقال: {ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود} [هود:103] اهـ.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يجمع يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيسمعهم الداعي, وينفذهم البصر، وتدنو الشمس منهم ـ فذكر حديث الشفاعة. رواه البخاري ومسلم. وراجع الفتوى رقم: 31592.
وقال الدكتور عمر الأشقر في القيامة الكبرى: سمى الله يوم الدين بيوم الجمع؛ لأن الله يجمع العباد فيه جميعًا: (ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ) [هود: 103] ويستوي في هذا الجمع الأولون والآخرون: (قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ. لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ) [الواقعة: 49-50] .... وهذه النصوص بعمومها تدل على حشر الخلق جميعًا - الإنس, والجن, والملائكة -. اهـ.
ولا نعلم أن أحًدا من أهل العلم خالف في هذا واستثنى أهل الفترة أو غيرهم من البشر، وقد جاء في السنة ما ينص على بعث أهل الفترة، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: أربعة يحتجون يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئًا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب قد جاء الإسلام وما أسمع شيئًا ... وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني من رسول, فيأخذ مواثيقهم ليطيعوه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردًا وسلامًا. رواه أحمد، وصححه ابن حبان والألباني والأرنؤوط. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد والبزار .. ورواه الطبراني بنحوه، وذكر بعده إسنادًا إلى أبي هريرة قالا بمثل هذا الحديث .. ورجاله في طريق الأسود بن سريع وأبي هريرة رجال الصحيح، وكذلك رجال البزار فيهما اهـ. وراجع الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 171719، 3191، 29368، 48406.
وقال السفاريني في لوامع الأنوار البهية: اعلم أنه يجب الجزم شرعًا أن الله تعالى يبعث جميع العباد، ويعيدهم بعد إيجادهم بجميع أجزائهم الأصلية، وهي التي من شأنها البقاء من أول العمر إلى آخره، ويسوقهم إلى محشرهم لفصل القضاء، فإن هذا حق ثابت بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة. اهـ.
وقال ابن حجر في فتح الباري: حشر الأموات من قبورهم وغيرها بعد البعث جميعًا إلى الموقف، قال الله عز وجل: "وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدًا". اهـ.
والله أعلم.