الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن بينا في الفتويين رقم: 70677، ورقم 7463، أن بقاء المسلم في أرض فلسطين يعتبر من الرباط في سبيل الله تعالى لأن المقام في الثغر رباط، إذا نوى ذلك.
ولا شك في حاجة المسجد الأقصى للدفاع عنه فلو هاجر كل المسلمين عن القدس فكأنهم سلموا الأقصى لليهود، وبناء عليه فمن قتل من المرابطين هناك بسلاح المقاومة غلطا فنرجو أن يكونوا من الشهداء في الآخرة، فقد أخرج الطبراني من حديث سلمان، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من مات مرابطا جرى عليه أجر عمله الذي كان يعمل وأمن من الفتان، وبعث يوم القيامة شهيدا. وأصله في صحيح مسلم.
وقد أخرج البخاري عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: لما كان يوم أحد، هزم المشركون هزيمة بينة، فصاح إبليس: أي عباد الله أخراكم، فرجعت أولاهم على أخراهم، فاجتلدت أخراهم، فنظر حذيفة فإذا هو بأبيه، فنادى أي عباد الله أبي أبي، فقالت: فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه، فقال حذيفة غفر الله لكم.
واليمان والد حذيفة ـ رضي الله عنهما ـ قد عده العلماء كابن هشام وغيره في شهداء أحد مع أنه قتله المسلمون خطأ.
وينضاف لهذا أن أغلب من يقتلون بالقصف قد يموت بالحرق أو بالهدم وقد جاءت الأخبار عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بإطلاق لفظ الشهادة على الذي مات بالحرق أو بالهدم، كما في حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الشهداء خمسة: المطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله. متفق عليه.
وروى مالك وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث جابر بن عتيك ـ رضي الله عنه ـ قال: الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغريق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، والحرق شهيد والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيد. اهـ.
وأما في أحكام الدنيا: فجمهور العلماء على أن من قتله المسلمون خطأ لا يأخذ حكم الشهيد في الدنيا، جاء في رسالة أحكام الشهيد في الفقه الإسلامي لعبد الرحمن بن غرمان: والمسلم المقتول خطأ بيد المسلمين في المعركة، هل يلحق هذا المقتول بالشهداء المقتولين بأيدي الكفار، أم أنه يكون كبقية الموتى؟ اختلف الفقهاء ـ رحمهم الله ـ في ذلك على قولين:
القول الأول: أنه لا يكون شهيدًا، بل يكون كعامة الموتى من المسلمين، وهذا مذهب الجمهور من الحنفية، والمالكية والحنابلة، وعللوا ذلك بأنه لم يقتل بأيدي المشركين، فلا يأخذ حكم الشهيد.
القول الثاني: أنه يأخذ أحكام الشهداء، وهو مذهب الشافعية، وأبي يوسف من الحنفية، وجمع من المالكية. اهـ بتصرف.
وراجع للفائدة الفتوى رقم: 74025.
والله أعلم.