الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسحر موجود, وله حقيقة، وهذا معتقد أهل السنة والجماعة؛ لقول الله تبارك وتعالى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [البقرة:102].
وهو يصيب الرجال كما يصيب النساء, فقد سحر النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سَحَرَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَهُودِيّ مِنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ, يُقَالُ لَهُ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ, قَالَتْ: حَتّىَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُخَيّلُ إِلَيْهِ أَنّهُ يَفْعَلُ الشّيْءَ، وَمَا يَفْعَلُهُ؛ حَتّىَ إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ، أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ، دَعَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم, ثُمّ دَعَا, ثُمّ دَعَا, ثُمّ قَالَ: "يَا عَائِشَةُ أَشَعَرْتِ أَنّ اللّهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ جَاءَنِي رَجُلاَنِ: فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي, وَالاَخَرُ عِنْدَ رِجْلَيّ, فَقَالَ الّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلّذِي عِنْدَ رِجْلَيّ، أَوِ الّذِي عِنْدَ رِجْلَيّ لِلّذِي عِنْدَ رَأْسِي: مَا وَجَعُ الرّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ, قَالَ: مَنْ طَبّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الأَعْصَمِ, قَالَ: فِي أَيّ شَيْءٍ؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ, قَالَ وَجُف طَلْعَةِ ذَكَرٍ, قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ, قَالَتْ: فَأَتَاهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ, ثُمّ قَالَ: "يَا عَائِشَةُ, وَاللّهِ لَكَأَنّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنّاءِ, وَلَكَأَنّ نَخْلَهَا رُؤُوسُ الشّيَاطِينِ, قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَفَلاَ أَحْرَقْتَهُ؟ قَالَ: "لاَ, أَمّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي اللّهُ, وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَىَ النّاسِ شَرّا، فَأَمَرْتُ بِهَا فَدُفِنَتْ.
وقد سبق لنا بيان علاج السحر في الفتاوى التالية أرقامها: 2244، 5433، 5252، 5856 - 502، 80694.
والله أعلم.