الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فما يعرف اليوم بموت الدماغ.. هل يعتبر وفاة بحيث تجري على صاحبها أحكام الوفاة الشرعية أم لا يعتبر وفاة وتجري على صاحبها أحكام الحياة؟
أختلف العلماء المعاصرون في ذلك.. فذهب إلى اعتباره وفاة بعض العلماء وبرأي هؤلاء أخذ مجمع الفقه الإسلامي حيث قرر اعتباره وفاة شرعية، بشرط تعطل جميع وظائف الدماغ تعطلاً نهائياً، وبشرط أن يحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء بأن هذا العطل لا رجعة فيه، ويأخذ دماغه في التحلل ففي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص، وإن كان بعض الأعضاء كالقلب لا يزال يعمل آلياً بفعل الأجهزة المركبة.
وذهب بعض العلماء المعاصرين إلى عدم اعتباره وفاة شرعية لبقاء نبض قلبه وجريان النفس فيه، وهذا القول الراجح عندنا لأن حالات كثيرة شخصت على أن صاحبها قد مات موتاً دماغياً، وعاش بعد ذلك واستمرت به الحياة، فقد ذكرت صحيفة الشرق الأوسط في نسختها الإلكترونية بتاريخ 30 يونيو 2001 أن عالماً بريطانياً متخصصاً بدراسة المصابين بالنوبات القلبية توصل إلى أنه هناك دلائل تدل على استمرار وعي الإنسان حتى بعد توقف الدماغ وذكر أنه درس حالات اعتبر الأطباء أصحابها ماتوا سريرياً ثم عادوا للحياة، ونقل العلامة محمد محمد مختار الشنقيطي في كتابه الجراحة الطبية عن العلامة بكر أبي زيد أنه قال: حَكَم جمع من الأطباء على شخصية مرموقة بالوفاة لموت جذع الدماغ لديه وأوشكوا على انتزاع بعض الأعضاء منه، لكن ورثته منعوا من ذلك، ثم كتب الله له الحياة ومازال حيا إلى تاريخه. انتهى
ونشرت جريدة "المسلمون" في عددها رقم: 232 بتاريخ 11/12/1409هـ
أن طفلاً ولد بدون مخ وقرر الأطباء أنه لا يعيش أكثر من أسبوعين وبلغ إلى وقت الخبر خمس سنوات.. ثم ذكرت حالتين أخريين الأولى: بلغ صاحبها على وقت نشر الخبر اثنتي عشرة سنة، والثانية يبلغ عمره ثلاث سنوات.
ومعلوم عند الأطباء أن الجسد يقبل الدواء والغذاء وتظهر عليه آثار النمو عندما يحكمون بوفاته دماغياً، والأعضاء البشرية لا تستجيب لوسائل الحياة إذا كانت قد ماتت.
والكتاب والسنة لا يرتبان أحكام الوفاة إلا على الموت النهائي في معلومنا، والأصل بقاء الحياة فلا تزول إلا بيقين.
والأطباء الذين يعتبرون موت الدماغ يسلمون بوجود أخطاء في التشخيص في مثل هذه الحالات مما يجعل اعتبار هذه العلامة موجبة للحكم بالوفاة يؤدي إلى خطر عظيم وتعدٍ على الأرواح التي من ضرورات الشريعة حفظها وصيانتها.
وقد ذكر الفقهاء للموت علامات منها: شخوص البصر، وانقطاع النفس، وانفراج الشفتين، وسقوط القدمين، وانفصال الزندين، وميل الأنف، وامتداد جلدة الوجه، وانخساف الصدغين، وتقلص الخصيتين مع تدلي جلدتيهما.
وقد نصوا على أن من مات بحادثة يحتمل معها بقاء حياته فلا يتعجل بتجهيزه حتى يتيقن موته، قال الشافعي بعد أن ذكر بعض علامات الوفاة السابقة: فأما إن مات مصعوقاً أو غريقاً أو حريقاً أو خاف من حرب أو سبع أو تردى من جبل أو في بئر فمات فإنه لا يبادر به حتى يتحقق موته..... فيترك اليوم واليومين والثلاثة حتى يخشى فساده لئلا يكون مغمى عليه أو انطبق حلقه أو غلب المرار عليه.
ومما تقدم يعلم أن الراجح هو أنه لا يجوز نقل الأعضاء أو التصرف في جسد من يقولون: إنه مات موتاً دماغياً لأن في ذلك اعتداء على حي لم تفارق روحه جسده. أما إذا مات، وانقطع نفسه، وتوقف قلبه، وظهرت عليه علامات الوفاة الشرعية، فيجوز نقل الأعضاء منه إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو، أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك بشرط أن يأذن الميت قبل موته أو ورثته بعد موته أو بشرط موافقة ولي أمر المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له.
والله أعلم.