الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنهيُ النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على القبر، مما اختلف أهل العلم في معناه.
قال القاضي عياض في (مشارق الأنوار): هو على ظاهره؛ لأنه من الاستهانة بها، وهي موضع عظة واعتبار. وقيل: هو من التخلي والحدث، وبهذا فسره في الموطأ. اهـ.
وقد سبق لنا بيان هذه المسألة في الفتويين: 74014، 64447.
وعلى قول المالكية ومن وافقهم من تفسير النهي بالجلوس لقضاء الحاجة على القبر، فلا إشكال. وأما على قول الجمهور من حمل النهي على ظاهره، فإن صح حديث ابن مسعود، فليس معنى عبارة: "فجلس إلى قبر منها" أنه جلس فوقه، وإنما جلس عنده أي بجانبه، فهناك فرق بين قولنا: "جلس على القبر" وقولنا: "جلس إلى القبر". فالأول معناه جلس أعلى القبر أي فوقه. والثاني معناه: جلس قريبا منه. فإن حرف الجرّ «إلى» يفيد الاقتراب من الغاية. أمّا حرف الجرّ «على» فيفيد الاستعلاء.
ولذلك قال الحريري في (درة الغواص في أوهام الخواص): ومن أوهامهم التي لا تغتفر، استعمال حروف الجر الواحد مكان الآخر مما يشوه المعنى، فيقولون: جلس على المائدة. والصواب أن يقال: جلس إلى المائدة. اهـ.
وقال ابن هشام في (أوضح المسالك): لـ "على" أربعة معان، أحدها: الاستعلاء؛ نحو: {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ}. اهـ.
قال النجار في شرحه (ضياء السالك): أي العلو؛ وهو أكثر معانيها استعمالا. اهـ.
وأما حرف "إلى" فقال ابن هشام في معناه: انتهاء الغاية، مكانية أو زمانية؛ نحو: {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى}. اهـ.
قال النجار: المقصود بالغاية المسافة والمقدار، والمراد بانتهاء الغاية: أن المعنى قبلهما ينقطع وينتهي بوصوله إلى المجرور بعدهما. اهـ.
والله أعلم.