الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الشاطبي في الموافقات: قصد الشارع من المكلف أن يكون قصده في العمل موافقًا لقصده في التشريع. ومعنى ذلك أن لا يقصد خلاف ما قصد الشارع من أفعاله - عبادات كانت أو معاملات - وعلى هذا؛ فلا يجوز شراء شيء بقصد استعماله في الحرام, ولا استئجاره لذلك, ولو لم يكن محرمًا لذاته؛ ولذا نص العلماء على منع بيع الخشبة لمن يستعملها صليبًا، وبيع العنب لمن يعصره خمرًا؛ وبيع السلاح لمن يعلم أنه يريد به قطع الطريق على المسلمين, أو إثارة الفتنة بينهم.
جاء في فتاوى ابن حجر الهيتمي: وسئل بما صورته: وما الحكم في بيع نحو المسك لكافر يعلم منه أنه يشتريه ليطيب به صنمه، وبيع حيوان لحربي يعلم منه أنه يقتله بلا ذبح ليأكله؟ فأجاب بقوله: يحرم البيع في الصورتين, كما شمله قولهم: كل ما يعلم البائع أن المشتري يعصي به يحرم عليه بيع له، وتطييب الصنم, وقتل الحيوان المأكول بغير ذبح معصيتان عظيمتان - ولو بالنسبة إليهم - لأن الأصح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة كالمسلمين، فلا تجوز الإعانة عليهما ببيع ما يكون سببًا لفعلهما، وكالعلم هنا غلبة الظن، والله أعلم. انتهى
وبناء عليه؛ فشراؤك أو استئجارك للمباح بنية استعماله فيما هو محرم لا يجوز لك بسبب نيتك هذه, وإذا علمها البائع أو المؤجر حرم عليه التعامل معك.
وأما هل يختلف الحكم عند غلبة الاستعمال؟ فالجواب أن العبرة بالغالب لا بالنادر, كما بينا في الفتوى رقم: 110318.
وأما هل يحرم عليك الاستعمال المباح لما اشتريته أو استأجرته لما هو محرم؟: فالجواب أنه لا حرج عليك في استعماله والانتفاع به فيما هو مباح، ويحرم استعماله فيما هو محرم, وانظر الفتوى: 153613.
والله أعلم.