الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن أعظم آفات الاسترسال مع المعاصي، أن يسهل فعل المعصية على العبد فلا يجد لها أثرا في قلبه، ويألفها حتى لا يكترث بفعلها ولا يبالي ما ارتكب منها، فلا يزال كذلك حتى تسوء خاتمته ويهلك والعياذ بالله إلا أن يتوب الله عليه.
فحذار حذار أيها الأخ مما أنت فيه فإنك على خطر عظيم، وإن غضب الله تعالى لا يقوم له شيء، وليس لأحد طاقة باحتمال سخطه وعقوبته سبحانه، فاتق النار واحذرها، فإن حرها شديد، وقعرها بعيد، ومقامعها حديد، وتفكر في الموت وما بعده من الأهوال العظام والخطوب الجسام، واعلم أنك إن لم تفق من سكرة المعصية، فقد يفجؤك أجلك، فتريد التوبة فتحرمها كما قال تعالى: وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ {سبأ:54}. فتندم حينئذ ولات ساعة مندم.
فاتق الله أيها الأخ، واعلم أنه لن ينفعك إلا صالح العمل، وأن المعاصي والآثام ذات لذة عاجلة ومتعة حاضرة، ولكن تبعتها ثقيلة كل الثقل كما قيل:
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها من الحرام ويبقى الإثم والعارُ.
تبقى عواقب سوء في مغبتها لا خير في لذة من بعدها النارُ.
وباب التوبة مفتوح أمام كل أحد لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها، فبادر بتوبة نصوح تستدرك بها ما فرط، وارجع إلى ربك خائفا وجلا، مستشعرا عظم الجرم وفظيع الإثم، وسله سبحانه بإخلاص وصدق أن يمن عليك بالرجوع إليه والإنابة إليه سبحانه. ومما يعينك على هذه التوبة مع الاجتهاد في الدعاء والتضرع، وكثرة الفكرة في الموت وما بعده من الأهوال، واستحضار قرب الأجل، أن تصحب الصالحين، وتترك صحبة الأشرار وأهل السوء، فإن صحبة الصالحين من أعون الأشياء على القرب من الله تعالى والتوبة إليه، واحضر حلق العلم ومجالس الذكر، واستمع إلى المحاضرات والمواعظ النافعة، وجاهد نفسك على التوبة مجاهدة صادقة، فإن الله تكفل بمعونة من جاهد نفسه فيه فقال سبحانه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69}.
والله أعلم.