الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي أن يعلم أن ثبوت الحكم الشرعي يكفي لقبوله والعمل به، والقطع بأنه حق، وأنه هو الذي يصلح عليه البشر. فالشريعة وإن جاءت بما تحار فيه العقول إلا إنها لا تأتي بما تحيله العقول .
وأما بخصوص السؤال، فلا بد أولا من العلم بأن الإحصان الذي هو شرط في رجم الزاني له شروط يحب توفرها، منها ما هو متفق عليه بين الفقهاء، ومنها ما هو محل خلاف بينهم. والمتفق عليه منها ـ كما جاء في كتاب (الفقه الإسلامي وأدلته): خمسة شروط: وهي: البلوغ، والعقل، والحرية، وتغييب الحشفة، وتقدم الوطء بنكاح صحيح، وهو أن يتقدم للزاني والزانية وطء مباح في الفرج بتزويج صحيح، فلا يحصن زنا متقدم، ولا وطء بملك اليمين، ولا وطء فيما دون الفرج، ولا وطء بنكاح فاسد أو شبهة، ولا وطء في صيام أو حيض أو اعتكاف أو إحرام، ولا وطء نكاح في الشرك، ولا بعد عقد نكاح دون وطء. اهـ. وراجع الفتوى رقم: 725.
وإذا عُرف هذا، ظهر أنه ليس كل وطء ولا كل نكاح يكون به الإحصان، كما في نكاح الشبهة أو ما ذكر بعده من أمثلة.
وإذا تقرر هذا عرفنا أن الإحصان في الرجم هو: هيئة يُكوِّنها اجتماع الشروط التي هي أجزاؤه، وهي ثمانية، وكل جزء علة. فكل واحد من تلك الأجزاء شرط وجوب الرجم. والحكمة في اشتراط ذلك أن العقل والبلوغ شرط لأهلية العقوبة، إذ لا خطاب دونهما، وما وراءهما يشترط لتكامل الجناية بواسطة تكامل النعمة، إذ كفران النعمة يتغلظ عند تكثرها. وهذه الأشياء من جلائل النعم، وقد شرع الرجم بالزنا عند استجماعها فيناط به ... ولأن الحرية ممكنة من النكاح الصحيح، والنكاح الصحيح ممكن من الوطء الحلال، والإصابة شبع بالحلال، والإسلام يمكنه من نكاح المسلمة ويؤكد اعتقاد الحرمة، فيكون الكل مزجرة عن الزنا، والجناية بعد توفر الزواجر أغلظ. كما جاء في (الموسوعة الفقهية).
وقد سبق لنا التنبيه على أنه بمجرد حصول الإحصان يستحق الزاني الرجم، ولا يشترط لذلك بقاء الزوجة في عصمته، فلو طلقها أو ماتت فهو محصن أيضًا، وكذا لا يشترط وجوده معها، فلو كان غائبًا عنها فهو محصن كذلك.
وراجع الفتوى رقم: 34769.
والله أعلم.