الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كنت تقصدين بالمراتب أنواع السنة، أو درجاتها، فهي ثلاثة: قولية، وفعلية، وتقريرية.
قال الشوكاني في إرشاد الفحول: وأما معناها شرعا: أي: في اصطلاح أهل الشرع فهي: قول النبي صلى الله عليه وسلم، وفعله، وتقريره.
فالسنة القولية وهي ما نقل من أقواله صلى الله عليه وسلم، كقوله: إن أحبكم إلي، وأقربكم مني منزلة يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقاً؛ وإن أبغضكم إلي، وأبعدكم مني منزلة يوم القيامة، مساوئكم أخلاقاً.
وهي أقوى في الحجة والدلالة من الفعلية، على خلاف في ذلك، وثمرة ذلك إذا تعارض القول والفعل ولم يمكن الجمع بينهما.
والسنة الفعلية وهي: التي تنقل لنا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، مثال ذلك: أنه كان إذا صلى سنة الفجر اضطجع على يمينه. كما في حديث أبي هريرة في الصحيحين. وهي أقوى من التقريرية.
وتتعلق بالسنة الفعلية أحكام كالوجوب، والندب، وكالخصوصية ونحوها.
قال السمعاني: وإن تعارض قوله وفعله في البيان ففيه أوجه: من أصحابنا من قال: القول أولى من الفعل لتعديه بصيغته، ومنهم من قال الفعل أولى.
والسنة التقريرية وهي: أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم فعل صحابي يتعلق به حكم شرعي، فيقره عليه، أو يسمع قوله كذلك فيقره عليه، وهي حجة، لكنها عند التعارض أضعف من سابقتيها. وهذا كما في سنن أبي داود: عن عباد بن بشر وعمار بن ياسر أنهما كانا مرابطين، فنام عمار وقام عباد فصلى، فافتتح القراءة فجاء أحد الكفار فضربه بسهم أو برمح فنزف دماً، وما ترك الصلاة حتى استيقظ عمار فقال: لِمَ لَمْ توقظني؟ قال: ما أردت أن أقطع الصلاة أو القراءة، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فأقرهما على ذلك.
قال السبكي: تنبيه: التقرير فعل، غير أنه مرجوح بالنسبة إلى الفعل المستقل. فالمراتب ثلاث: قول، ثم فعل غير تقرير، ثم تقرير؛ وإنما لم يذكر الأصوليون التقرير في مسألة تعارض الأقوال والأفعال لدخوله في الفعل، وفي باب التراجيح عند التمييز بينهما. قالوا: الفعل أرجح من التقرير. اهـ.
والله أعلم.