الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان القصد السؤال عما إذا كان المرء يؤجر بمجرد سعيه في الأمر ولو لم يحصل ما سعى فيه. فالجواب أن سعي المؤمن في عمل الخير وتحصيل العمل الصالح، يؤجر عليه إذا كان ذلك بنية صادقة ولو لم يتم عمل ما سعى فيه. فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال: إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك، فمن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله له عنده حسنة كاملة، فإذا همّ بها فعملها كتبها الله له عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة.. الحديث. متفق عليه.
فكل ما يقوم به المسلم أو يسعى في تحصله من الأعمال الموافقة للشرع، يؤجر عليه، بشرط استحضار النية الصالحة -كما أشرنا- فقد قال صلى الله عليه وسلم: إنما الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٍ رَزَقَهُ الله مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَتَّقِي فيه رَبَّهُ، وَيَصِلُ فيه رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فيه حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ. وَعَبْدٍ رَزَقَهُ الله عِلْمًا ولم يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يقول: لو أَنَّ لي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ، فَهُوَ بنيته، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ. وَعَبْدٍ رَزَقَهُ الله مَالًا ولم يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَخْبِطُ في مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، لَا يَتَّقِي فيه رَبَّهُ، ولا يَصِلُ فيه رَحِمَهُ، ولا يَعْلَمُ لِلَّهِ فيه حَقًّا، فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِل. وَعَبْدٍ لم يَرْزُقْهُ الله مَالًا ولا عِلْمًا، فَهُوَ يقول: لو أَنَّ لي مَالًا لَعَمِلْتُ فيه بِعَمَلِ فُلَانٍ، فَهُوَ بنيته، فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ. قال الترمذي: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: (فهو بنيته) أي يؤجر على حسبها. (فأجرهما سواء) أي فأجر من عقد عزمه على أنه لو كان له مال أنفق منه في الخير، وأجر من له مال ينفق منه، سواء. انتهـى.
وإن كان القصد السؤال عما إذا كان المرء يؤجر على العمل الذي لم يوضع للتعبد، فالجواب أن نعم، وأن بإمكان المسلم أن يجعل حياته كلها عبادة لله تعالى وقربة إليه، يؤجر عليها بالإخلاص وإصلاح النية حصلت أو لم تحصل . روى الشيخان وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة. وقال معاذ رضي الله عنه: أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي. رواه البخاري. فإذا قصد المسلم بما يقوم به من عمل مباح من أكل أو شرب، أو نوم وراحة، وإتيان أهل.. التقوي على طاعة الله تعالى، وكف نفسه عن الحرام، فهو عبادة يؤجر عليها، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أياتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر. رواه مسلم.
وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 4476، 24782، 58107.
والله أعلم.