الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالزواج من الكتابية العفيفة جائز، بل إنّه يكون مستحبًا إذا رجي أن يكون زواجها سببًا في إسلامها، قال الشربيني في مغني المحتاج: وقد يقال باستحباب نكاحها (الكتابية) إذا رجي إسلامها. اهـ. وانظر الفتوى رقم: 80265.
فإن كنت تقدر على الزواج منها والعدل بينها وبين زوجتك الأولى فبها ونعمت، وأما إن خشيت أن يكون زواجك منها سببًا في هدم أسرتك فيمكنك أن تبحث لها عن زوج صالح, وأن تسعى في دعوتها وتعريفها بالإسلام عن طريق بعض المسلمات الصالحات أو المراكز الدعوية المختصة.
وعليك أن تتقي الله, وتحذر من الخلوة بهذه المرأة, وأن تغض بصرك عنها وعن غيرها من الأجنبيات، واعلم أن محافظة الزوج على حدود الله, وحرصه على غض بصره عن الحرام من أهم أسباب قناعة الزوج بزوجته، كما أن إطلاق البصر في المحرمات, والتهاون في الكلام مع النساء الأجنبيات ونحو ذلك، يزهّد الزوج في زوجته, ولو كانت أجمل نساء الأرض، ويفتح الأبواب للشيطان ليزين له الافتتان بغيرها والنفور منها.
واعلم أن حصول المودة والتفاهم بين الزوجين يحتاج إلى الصبر, وإلى التجاوز عن بعض الأخطاء, والتغاضي عن الزلات والهفوات, والنظر إلى الجوانب الطيبة في أخلاق الطرف الآخر، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِىَ مِنْهَا آخَرَ. صحيح مسلم, قال النووي - رحمه الله -: أَيْ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْغِضَهَا؛ لِأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يُكْرَهُ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا مَرْضِيًّا, بِأَنْ تَكُونَ شَرِسَةَ الْخُلُقِ لَكِنَّهَا دَيِّنَةٌ أَوْ جَمِيلَةٌ أَوْ عَفِيفَةٌ أَوْ رَفِيقَةٌ بِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. اهـ.
وقد يندفع الإنسان وراء رغبة عارضة ثم يندم ولا يحصل مراده، قال ابن الجوزي - رحمه الله - في صيد الخاطر: أكثر شهوات الحس النساء, وقد يرى الإنسان امرأة في ثيابها، فيتخايل له أنها أحسن من زوجته، أو يتصور بفكره المستحسنات، وفكره لا ينظر إلا إلى الحسن من المرأة، فيسعى في التزوج والتسري، فإذا حصل له مراده، لم يزل ينظر في العيوب الحاصلة، التي ما كان يتفكر فيها، فيملّ، ويطلب شيئًا آخر، ولا يدري أن حصول أغراضه في الظاهر ربما اشتمل على محن، منها: أن تكون الثانية لا دين لها، أو لا عقل، أو لا محبة لها، أو لا تدبير، فيفوت أكثر مما حصل.
والله أعلم.