الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالخبر المتواتر هو ما رواه جمع كثير تحيل العادة تواطؤهم على الكذب عن مثلهم، وفي تحديد هذا العدد خلاف؛ والصحيح أنه لا يحد بعدد معين.
قال ابن حجر في النخبة: فالأول: المتواتر المفيد للعلم اليقيني بشروطه، وهي: عدد كثير أحالت العادة تواطؤهم على الكذب، رووا ذلك عن مثلهم من الابتداء إلى الانتهاء، وكان مستند انتهائهم الحس، وانضاف إلى ذلك أن يصحب خبرهم إفادة العلم لسامعه. انتهى.
فإذا اختلفت طرق حديثٍ ما، وتعددت بحيث صدق عليها حد المتواتر، فهو الخبر المتواتر سواء كان في البخاري أو في غيره، وإن اختلفت الطرق في البخاري أو في غيره ولم تبلغ هذا الحد فلا يكون الخبر متواترا، فيكون مشهورا أو عزيزا وهو من قبيل خبر الآحاد، على أن ما خرجه الشيخان من الأخبار ولم ينتقد يفيد العلم على الراجح، فوجود الحديث فيهما أو في أحدهما كاف عند المحققين في القطع بصحته.
قال ابن حجر: وقد يقع فيها -أي في أخبار الآحاد- ما يفيد العلم النظري بالقرائن على المختار [كأن يخرج الخبر الشيخان في صحيحهما، أو يكون مشهورا وله طرق متباينة سالمة من ضعف الرواة والعلل، أو يكون مسلسلا بالأئمة الحفاظ المتقنين حيث لا يكون غريبا] . انتهى.
وهذا كلام نفيس لشيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- يتبين به أن أحاديث الصحيحين وإن كانت أحاديث آحاد إلا أنها تفيد العلم لا الظن، وأن رواتها وإن كان يجوز عليهم الخطأ، لكن الأمة أجمعت على تلقي جمهور أحاديث الصحيحين بالقبول وإجماع الأمة معصوم.
قال الشيخ رحمه الله: وأما عدة الأحاديث المتواترة التي في الصحيحين فلفظ المتواتر: يراد به معان؛ إذ المقصود من المتواتر ما يفيد العلم، لكن من الناس من لا يسمي متواترا إلا ما رواه عدد كثير يكون العلم حاصلا بكثرة عددهم فقط ويقولون: إن كل عدد أفاد العلم في قضية أفاد مثل ذلك العدد العلم في كل قضية؛ وهذا قول ضعيف. والصحيح ما عليه الأكثرون: أن العلم يحصل بكثرة المخبرين تارة، وقد يحصل بصفاتهم لدينهم وضبطهم، وقد يحصل بقرائن تحتف بالخبر يحصل العلم بمجموع ذلك، وقد يحصل العلم بطائفة دون طائفة. وأيضا فالخبر الذي تلقاه الأئمة بالقبول تصديقا له، أو عملا بموجبه يفيد العلم عند جماهير الخلف والسلف وهذا في معنى المتواتر؛ لكن من الناس من يسميه المشهور والمستفيض، ويقسمون الخبر إلى: متواتر، ومشهور، وخبر واحد. وإذا كان كذلك، فأكثر متون الصحيحين معلومة متقنة تلقاها أهل العلم بالحديث بالقبول والتصديق، وأجمعوا على صحتها؛ وإجماعهم معصوم من الخطأ، كما أن إجماع الفقهاء على الأحكام معصوم من الخطأ. ولو أجمع الفقهاء على حكم كان إجماعهم حجة، وإن كان مستند أحدهم خبر واحد أو قياسا، أو عموما. فكذلك أهل العلم بالحديث إذا أجمعوا على صحة خبر أفاد العلم وإن كان الواحد منهم يجوز عليه الخطأ؛ لكن إجماعهم معصوم عن الخطأ. انتهى.
والله أعلم.