الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان وقت العشاء قد دخل بعد خروجك من البلد الذي تقيم به وتجاوزت بيوته فإن ما فعلته صحيح، وأما إن كنت قصرت الصلاة وأنت داخل البلد فما فعلته خطأ, فإن القصر لا يجوز إلا بعد مفارقة بيوت البلد عند جماهير المسلمين، ومن ثم فيجب عليك أن تعيد هذه الصلاة، قال ابن قدامة - رحمه الله -: لَيْسَ لِمَنْ نَوَى السَّفَرَ الْقَصْرُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ بُيُوتِ قَرْيَتِهِ، وَيَجْعَلَهَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ, وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ, وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، أَنَّهُمَا أَبَاحَا الْقَصْرَ فِي الْبَلَدِ لِمَنْ نَوَى السَّفَرَ, وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101] وَلَا يَكُونُ ضَارِبًا فِي الْأَرْضِ حَتَّى يَخْرُجَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَبْتَدِئُ الْقَصْرَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ, قَالَ أَنَسٌ: «صَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا، وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. انتهى.
وإن كنت قد خرجت بعد دخول الوقت بمقدار ما تصلي فيه تلك الصلاة، أو ركعة منها فقد اختلف فيما إذا كان لك القصر أم لا, جاء في الاستذكار لابن عبد البر: ... فذهب مالك إلى ما ذكرنا ها هنا, وهو قول الثوري, وأبي حنيفة, وأبي يوسف, ومحمد, والأوزاعي, كلهم يقول: إذا خرج وقد بقي عليه من الوقت شيء أقله ركعة قصر, ومن قدم وقد بقي عليه من الوقت مثل ذلك أتم, وقال الشافعي, والليث بن سعد, والحسن بن حي, وزفر: إذا خرج بعد دخول الوقت بمقدار ما يصلي فيه تلك الصلاة أو ركعة منها أتم.
والله أعلم.