الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فخدمة الدين وإقامة معالمه وحدوده ونصرة شريعته أمر واجب على كل مسلم بقدر طاقته, وبما يناسب حاله, ولا يجب أن يكون ذلك من خلال جماعة أو طائفة بعينها, بل الواجب في الأصل هو طاعة الله تعالى وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك تكون طاعة أولي الأمر من العلماء والأمراء تبعًا لهذه الطاعة, وأخذ البيعة على ما فوق ذلك لا يفيد وجوبًا، قال مطرف بن عبد الله الشخير: كنا نأتي زيد بن صوحان وكان يقول: "يا عباد الله أكرموا وأجملوا فإنما وسيلة العباد إلى الله بخصلتين: الخوف والطمع", فأتيته ذات يوم وقد كتبوا كتابًا فنسقوا كلامًا من هذا النحو: إن الله ربنا، ومحمدًا نبينا، والقرآن إمامنا، ومن كان معنا كنا وكنا له، ومن خالفنا كانت يدنا عليه وكنا وكنا, قال: فجعل يعرض الكتاب عليهم رجلًا رجلًا فيقولون: "أقررت يا فلان" حتى انتهوا إليَّ فقالوا: "أقررت يا غلام؟" قلت: لا, قال: "لا تعجلوا على الغلام، ما تقول يا غلام؟" قال: قلت: إن الله قد أخذ عليَّ عهدًا في كتابه فلن أحدث عهدًا سوى العهد الذي أخذه الله عز وجل عليَّ, قال: فرجع القوم عن آخرهم ما أقر به أحد منهم. رواه أبو نعيم في الحلية, وذكره الذهبي في السير.
فعهد الله تعالى هو الذي يجب الوفاء به، وهو مُغْنٍ عما سواه، وكل تعاون على البر والتقوى فهو داخل فيه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ليس لأحد منهم أن يأخذ على أحد عهدًا بموافقته على كل ما يريده؛ وموالاة من يواليه؛ ومعاداة من يعاديه، بل من فعل هذا كان من جنس جنكيزخان وأمثاله الذين يجعلون من وافقهم صديقًا مواليًا, ومن خالفهم عدوًا باغيًا؛ بل عليهم وعلى أتباعهم عهد الله ورسوله بأن يطيعوا الله ورسوله؛ ويفعلوا ما أمر الله به ورسوله؛ ويحرموا ما حرم الله ورسوله؛ وإذا اجتمعوا على طاعة الله ورسوله, وتعاونوا على البر والتقوى لم يكن أحد مع أحد في كل شيء؛ بل يكون كل شخص مع كل شخص في طاعة الله ورسوله، ولا يكونون مع أحد في معصية الله ورسوله، بل يتعاونون على الصدق والعدل والإحسان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصر المظلوم وكل ما يحبه الله ورسوله؛ ولا يتعاونون لا على ظلم ولا عصبية جاهلية ولا اتباع الهوى بدون هدى من الله ولا تفرق ولا اختلاف ... بل تجمعهم السنة وتفرقهم البدعة؛ يجمعهم فعل ما أمر الله به ورسوله, وتفرق بينهم معصية الله ورسوله حتى يصير الناس أهل طاعة الله أو أهل معصية الله، فلا تكون العبادة إلا لله عز وجل، ولا الطاعة المطلقة إلا له سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وسلم ... ويحسن أن يقول لتلميذه: عليك عهد الله وميثاقه أن توالي من والى الله ورسوله, وتعادي من عادى الله ورسوله, وتعاون على البر والتقوى, ولا تعاون على الإثم والعدوان, وإذا كان الحق معي نصرت الحق, وإن كنت على الباطل لم تنصر الباطل. اهـ.
والخلاصة أنه لا يَلزم السائل من هذه البيعة إلا ما يُلزمه به الإسلام وشريعته من التعاون على البر والتقوى, والتناصر على الحق, ونحو ذلك.
ثم ننبه على أمرين، الأول: أن البيعة المذكورة في الأحاديث إنما هي للإمام العام الذي يجتمع عليه الناس، وراجع في ذلك الفتويين: 6512، 118407.
والثاني: أن جمهور العلماء على أن الوفاء بالوعد مستحب, وليس بواجب، فلو تركه فاته الفضل، وارتكب المكروه كراهة شديدة، ولكن لا يأثم، وراجع في ذلك الفتويين: 17057، 44575.
والله أعلم.