الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن كان أبوك لم يحرم بالحج, وإنما خرج مريدًا له - كما هو الظاهر- فإنه لا يلزمه المضي في النسك والحال هذه، فإذا رجع للسبب المذكور أو غيره لم يكن عليه شيء؛ ولذا عرف الفقهاء الإحرام بأنه نية الدخول في النسك, لا نية أن يحج أو يعتمر، قال شيخ الإسلام: ولا يكون الرجل محرمًا بمجرد ما في قلبه من قصد الحج ونيته, فإن القصد ما زال في القلب منذ خرج من بلده. انتهى.
وأما لو كان أبوك أحرم بالحج ونوى الدخول في النسك, فقد كان يجب عليه المضي فيه, ولا يجوز له رفض إحرامه إجماعًا إلا أن يحصر, ويمنع من إتمام نسكه كما حصل له، فإن كان قد منع من إتمام نسكه بعدما أحرم فإنه يتحلل من إحرامه بما يتحلل به المحصر, وذلك بأن يذبح هديًا لقوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ {البقرة:196}، فإن عجز عن ذبح الهدي فعليه صيام عشرة أيام قياسًا على من عجز عن دم التمتع، فإذا ذبح الهدي أو أتى ببدله وهو الصيام حل من إحرامه ذاك, ولم تسقط عنه بذلك حجة الفريضة, بل هي في ذمته متى قدر عليها أتى بها، قال ابن قدامة -رحمه الله -: وَإِذَا تَحَلَّلَ الْمُحْصَرُ مِنْ الْحَجِّ، فَزَالَ الْحَصْرُ، وَأَمْكَنَهُ الْحَجُّ لَزِمَهُ ذَلِكَ إنْ كَانَتْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، أَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ، أَوْ كَانَتْ الْحَجَّةُ وَاجِبَةً فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ, وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْحَجَّةُ وَاجِبَةً، وَلَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، كَمَنْ لَمْ يُحْرِمْ. انتهى,
وهذا كله إن لم يكن اشترط عند إحرامه أن محلي حيث حبستني، فإن كان اشترط حل من إحرامه ولا شيء عليه، وحجة الإسلام باقية في ذمته متى قدر عليها أتى بها.
والله أعلم.