الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالهجر في اليمن هو الذبح لإرضاء الخصم، والذبح لغير الله تعالى له حالات: الأولى أن يقصد به التعظيم والعبادة للمذبوح له وهذا شرك، ففي المجموع للإمام النووي -رحمه الله-: واعلم أن الذبح للمعبود وباسمه نازل منزلة السجود، وكل واحد منهما من أنواع التعظيم والعبادة المخصوصة بالله تعالى الذي هو المستحق للعبادة، فمن ذبح لغيره من حيوان أو جماد كالصنم على وجه التعظيم والعبادة لم تحل ذبيحته، وكان فعله كفراً كمن يسجد لغير الله سجدة عبادة، فكذا لو ذبح له أو لغيره على هذا الوجه. اهـ.
والثانية أن يقصد به التقرب للمذبوح له، لكن لا بقصد العبادة والتعظيم وهذا حرام، وتحرم به الذبيحة، ولكنه ليس شركًا، لأنه لم يقع على وجه العبادة.
وفي بيان هاتين الحالتين وبيان وجه الاتفاق والافتراق بينهما يقول العبادي في حاشيته على الغرر البهية: أَنَّ لِلْحُرْمَةِ صُورَتَيْنِ مَا يُجَامِعُ الْكُفْرَ، وَمَا لَا. فَلْيُحَرَّرْ مَا يُمَيِّزُ إحْدَى الصُّورَتَيْنِ عَنْ الْأُخْرَى وَأَنَّ الذَّبْحَ لِلْكَعْبَةِ تَعْظِيمًا لِكَوْنِهَا بَيْتَ اللَّهِ أَوْ لِلرُّسُلِ لِكَوْنِهِمْ رُسُلَ اللَّهِ خَارِجٌ عَنْ الصُّورَتَيْنِ، وَأَنَّ الذَّبْحَ بِقَصْدِ الِاسْتِبْشَارِ بِقُدُومِ السُّلْطَانِ لَا يَحْرُمُ فَلْتُمَيِّزْ هَذِهِ الصُّوَرَ فِي الْمَعْنَى بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِجَمْعِ صُورَتَيْ الْحُرْمَةِ الذَّبْحِ عَلَى وَجْهِ أَنَّ الْمَذْبُوحَ لَهُ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ لِذَاتِهِ وَتَتَمَيَّزُ صُورَةُ الْكُفْرِ بِقَصْدِ الْعِبَادَةِ وَمُجَرَّدُ الْحُرْمَةِ بِعَدَمِ قَصْدِهَا فَلْيُحَرَّرْ جِدًّا. اهـ.
والحالة الثالثة: أن لا يقع الذبح على وجه العبادة والتعظيم ولا على وجه التقرب، وإنما يقصد به الإكرام أو الإرضاء ونحو ذلك مما ليس بعبادة، وهذا لا تحرم به الذبيحة، ولا يكون شركاً، ففي أسنى المطالب في شرح روض الطالب لزكريا الأنصاري ممزوجًا بالروض لابن المقرئ: فإن قصد الاستبشار بقدومه -أي السلطان-، فلا بأس، أو ليرضي غضبانًا جاز، كالذبح للولادة أي كذبح العقيقة لولادة المولود، ولأنه لا يتقرب به إلى الغضبان في صورته بخلاف الذبح للصنم, ولو ترك قوله فلا بأس كان أولى وأخصر. اهـ.
والغالب أن الهجر في اليمن أو ما يسمى بالعقير هو من هذا النوع، فهو ذبح يذكر فيه اسم الله تعالى، يقصد منه إزالة فتنة، أو تطييب خاطر، أو إصلاح بين الناس، وليس هو من الذبح لغير الله، فإذا وقع على هذا الوجه فلا بأس به.
وأما إذا كان ذابحها يتقرب بذبحها لغير الله على وجه التعبد لذلك الغير، فإن ذبحها شرك، ولا يجوز الأكل منها، قال تعالى: إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ {البقرة: 173 }، وكذا يحرم ذبحها وأكلها إن قصد به التذلل للغير، لكن لا على وجه العبادة والتعظيم كما سبق.
ولأن هذا الذبح تختلف فيه المقاصد اختلفت عبارات العلماء في بيان حكمه، وقد سُئِل القاضي العمراني مفتي اليمن عن هذه المسألة فوجه إليه هذا السؤال:
س: ما حكم ذبح الذبيحة التي تسمى (الهجر) أو (العقير) في الشريعة الإسلامية، علماً بأنه لا يتم الإعفاء إلا بذلك؟ فأجاب بقوله: الهجر هو أن الرجل يأتي بالثور أو الكبش فيذبحه عند باب بيت المجني عليه، ولا يتم العفو عند القبائل إلا بهذا الهجر، والعلماء مختلفون فبعضهم قال: هو جائز وبعضهم قال: إنه حرام؛ لأنه أهل به لغير الله، حيث ذبح إرضاء للقبيلة أو لرجل أو لأسرة، وبعضهم قال يجوز للضرورة؛ لأنه إذا لم يتم هذا تتعقد المشكلة ويحصل سفك دماء. أما أنا فأعتبره شبهة من الشبهات والمؤمنون وقَّافُّون عند الشبهات. انتهى. منقول من موقع منبر علماء اليمن.
والله أعلم.