الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكرنا في الفتوى رقم: 120021 بعض القواعد في باب معرفة صفات الله تعالى، منها: "ظواهر نصوص الصفات معلومة لنا باعتبار، ومجهولة لنا باعتبار آخر، فباعتبار المعنى هي معلومة، وباعتبار الكيفية التي هي عليها مجهولة".
وبهذا يتضح أن المجهول هو الكيفية, أما المعنى فهو معلوم؛ ولذا قال ابن ابي العز في شرح الطحاوية نقلاً عن جمع من أهل العلم أنهم قالوا: نمرها كما جاءت، ونؤمن بها، ولا نقول: كيف وكيف. اهـ
ولذا قال الإمام مالك: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. فدل كلامه - رحمه الله - على أمور ثلاثة وهي: الأولى: إثبات الصفات من غير تأويل, الثانية: تفويض الكيف, الثالثة: كراهة السلف الخوض في آيات الصفات.
وروى الخلال في السنة عن الوليد بن مسلم قال سألت سفيان والأوزاعي ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث فقالوا: نمرها كما جاءت, قال الخلال: هذا في أحاديث الصفات, وهو مذهب السلف إثبات حقيقتها, ونفي علم الكيفية. انتهى
وقد ذكر شيخ الإسلام في الفتوى الحموية الآثار عن الإمام مالك وشيخه ربيعة بن أبي عبد الرحمن من قولهم: "الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول", ثم قال: ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله، لما قالوا: الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول, ولما قالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف, فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلومًا بل مجهولاً بمنزلة حروف المعجم, وأيضًا: فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى؛ وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبتت الصفات, وأيضًا: فإن من ينفي الصفات الخبرية أو الصفات مطلقًا لا يحتاج إلى أن يقول: بلا كيف, فمن قال: إن الله ليس على العرش، لا يحتاج أن يقول بلا كيف، فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا: بلا كيف, وأيضًا: فقولهم: أمروها كما جاءت يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه؛ فإنها جاءت ألفاظ دالة على معان؛ فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال: أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد؛ أو أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة, وحينئذ فلا تكون قد أمرت كما جاءت, ولا يقال حينئذ: بلا كيف؛ إذ نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول. اهـ.
والله أعلم.