الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لنا ولهذا الأخ العافية والثبات على الحق، ولا شك أن المسلم مأمور بنصرة إخوانه من المسلمين المظلومين وهو يعتبر من نصرة الدين لما فيه من السعي في تغيير المنكر.
ومن أدلة نصرة المظلوم قوله صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالما أو مظلوما. فقال رجل: يا رسول الله! أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قال: تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره. رواه البخاري.
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال:أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا باتباع الجنائز، وعيادة المريض، وإجابة الداعي، ونصر المظلوم ... . رواه البخاري ومسلم.
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضواً تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. متفق عليه.
وروى الإمام أحمد وأبو داود عن جابر بن عبد الله وأبي طلحة بن سهل الأنصاري أنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص فيه من عرضه وينتهك من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب نصرته.
قال صاحب عون المعبود: والمعنى ليس أحد يترك نصرة مسلم مع وجود القدرة عليه بالقول أو الفعل عند حضور غيبته أو إهانته أو ضربه أو قتله إلا خذله الله. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: نصر آحاد المسلمين واجب بقوله صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ـ وبقوله: المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يظلمه. انتهى
وقال الشوكاني في النيل: يجب نصر المظلوم، ودفع من أراد إذلاله بوجه من الوجوه، وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً، وهو مندرج تحت أدلة النهي عن المنكر. انتهى.
وهذه النصرة يشترط لوجوبها ما يشترط لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من القدرة وأمن الضرر المعتبر. قال النووي: أَمَّا نَصْر الْمَظْلُوم فَمِنْ فُرُوض الْكِفَايَة, وَهُوَ مِنْ جُمْلَة الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر, وَإِنَّمَا يَتَوَجَّه الْأَمْر بِهِ عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَخَفْ ضَرَرًا اهـ.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز وأكثر ممن يعمله لم يغيروه إلا عمهم الله بعقاب. رواهأحمد وأبو داود وابن ماجه، وحسنه الألباني.
وهذا القيد: "هم أعز وأكثر ممن يعمله" لا بد من الالتفات إليه عند الحكم بالوجوب، فمن قدر على نصر مظلوم، ولم يخف بسبب ذلك وقوع ضرر محقق أو غالب على نفسه ـ وجب عليه ذلك، وأثم بتركه. ومن فعل ذلك مع خوف الضرر فهو محسن مأجور ما لم تتسبب هذه النصرة في حصول مظالم أعظم ومفاسد أكبر.
وراجع لمزيد البيان الفتويين رقم: 141805، 9358 .
والله أعلم.