الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بلغ منك الوسواس مبلغا عظيما، ونحن ننصحك بتجاهل هذه الوساوس والإعراض عنها وألا تعيرها اهتماما، واعلم أن القول الراجح في الدليل هو طهارة الماء المستعمل، وانظر الفتوى رقم: 140654. وقد ذكرنا في الفتوى رقم: 181305 أن ترخص الموسوس وأخذه بأيسر الأقوال مما لا حرج فيه، فينبغي لك أن تعتمد هذا القول ليزول عنك الإشكال في هذا الباب بالمرة.
ثم اعلم عافاك الله أن ما استشكلته إنما هو محض وسوسة، وقد نص الفقهاء على أن بدن المغتسل كالعضو الواحد، وأن الماء لا يصير مستعملا إلا إذا انفصل عن جميع البدن، قال في البحر الرائق: وَقَدْ انْدَفَعَ بِمَا ذَكَرْنَا أَيْضًا مَا اسْتَشْكَلَهُ بَعْض الْمُحَشَّيْنِ مِنْ زَوَالِ الْجَنَابَةِ بِصَبِّ الْمَاءِ مِنْ الرَّأْسِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ عَلَى رِوَايَةِ التَّجَزِّي وَقَالَ كَمَا لَا يَخْفَى وَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ، وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُ وَسُوءُ فَهْمٍ، فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْبَدَنَ فِي الْغُسْل كَعُضْوٍ وَاحِدٍ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَاء لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إلَّا بَعْد الِانْفِصَالِ عَنْ الْعُضْو، فَعَلَى رِوَايَة التَّجَزِّي لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إلَّا إذَا انْفَصِلْ عَنْ جَمِيع الْبَدَنِ، وَإِنْ زَالَتْ الْجَنَابَة عَنْ كُلّ عُضْو انْفَصِلْ عَنْهُ الْمَاءِ، وَهَذَا ظَاهِرِ لَا يَخْفَى. انتهى.
وقال النووي: حكم الاستعمال إنما يثبت بعد الانفصال عن العضو، وبدن الجنب كعضو واحد، ولهذا لا ترتيب فيه. انتهى.
فاترك عنك هذه الوساوس ولا تلتفت إلى شيء منها. نسأل الله لك الشفاء والعافية.
والله أعلم.