الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا شك أن أجر المسلم والمسلمة عظيم عند إنجاب الذرية، إذا كانت نيتهما الاستجابة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم. فعن معقل بن يسار قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال وإنها لا تلد أفأتزوجها؟ قال: لا، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم. رواه أبو داود وغيره. وقال الألباني: حسن صحيح.
فبهذه النية يؤجر الإنسان على إنجاب الذرية. كما أن الأبوين إذا أحسنا تربية الأولاد على العلم والطاعة فلهما مثل أجور أولادهم، لأنهما دعوهم إلى الهدى. فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا. رواه مسلم.
إضافة إلى أن الولد من كسب أبويه وعملهما الذي لا ينقطع بالموت، حيث يستفيد الأبوان من دعاء ولدهما بعد موتهما، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. وقد يموت في حياة أبيه فيثاب على موته، إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة التي ذكرها الإمام السيوطي في كتابه الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع. وانظر الفتوى: 131894.
وسواء كان الأبوان هما سبب صلاح الولد أم غيرهما, وسواء كان صلاحه وهما في الحياة أم بعد موتهما, فلهما أجر ذلك، لأن الولد من كسبهما.
قال النووي في شرح صحيح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. قال العلماء: معنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته، وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة، لكونه كان سببها، فإن الولد من كسبه، وكذلك العلم الذي خلفه من تعليم أو تصنيف، وكذلك الصدقة الجارية وهي الوقف. وفيه فضيلة الزواج لرجاء ولد صالح.
وقال في عون المعبود: أما هذه الثلاثة فأعمال تجدد بعد موته لا تنقطع عنه لكونه سببا لها، فإنه تعالى يثيب المكلف بكل فعل يتوقف وجوده توقفا ما على كسبه سواء فيه المباشرة والسبب، وما يتجدد حالا فحالا من منافع الوقف ويصل إلى المستحقين من نتائج فعل الواقف، واستفادة المتعلم من مآثر المتقدمين وتصانيفهم بتوسط إرشادهم، وصالحات أعمال الولد تبعا لوجوده الذي هو مسبب عن فعل الوالد كان ذلك ثوابا لاحقا بهم غير منقطع عنهم.
وجاء في فتاوى ابن تيمية: أما الحديث فإنه قال: انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له. فذكر الولد، ودعاؤه له خاصين لأن الولد من كسبه، كما قال: ما أغنى عنه ماله وما كسب. قالوا إنه ولده. وكما قال النبي: إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه. فلما كان هو الساعي في وجود الولد كان عمله من كسبه؛ بخلاف الأخ والعم والأب ونحوهم. فإنه ينتفع أيضا بدعائهم بل بدعاء الأجانب، لكن ليس ذلك من عمله. والنبي قال: انقطع عمله إلا من ثلاث. لم يقل إنه لم ينتفع بعمل غيره، فإذا دعا له ولده كان هذا من عمله الذي لم ينقطع، وإذا دعا له غيره لم يكن من عمله لكنه ينتفع به.
وأما بالنسبة إلى أجر من مات له ولد. فقد جاء عن قرة بن إياس ـ رضي الله عنه: أن رجلاً كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابن له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تحبه؟ قال: نعم يا رسول الله أحبَّك الله كما أحبُّه، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما فعل فلان بن فلان؟ قالوا: يا رسول الله مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه: ألا تحب أن لا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك؟ فقال رجل يا رسول الله: أله خاصة أم لكلنا؟ قال: بل لكلكم. رواه أحمد وقال المنذري: رجاله رجال الصحيح.
وروى مسلم في الصحيح عن أبي حسان قال: قلت لأبي هريرة: إنه قد مات لي ابنان فما أنت محدثي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا، قال: نعم، صغارهم دعاميص الجنة، يتلقى أحدهم أباه، أو قال أبويه فيأخذ بثوبه، أو قال بيده كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا فلا يتناهى، أو قال: فلا ينتهي حتى يدخله الله وأباه الجنة.
وخاصة عند الصبر على ذلك، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمد واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة.
والله أعلم.