الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن ما يتركه الميت من المال بعده، أيا كان عدده ونوعه، فإنه يقسم على الورثة المستحقين له على نحو ما بين الله تعالى، ولا يحل حجب أحد من الورثة لكونه كبيرا، أو متزوجا، أوغير ذلك، فتوريث البعض وحرمان البعض فعل جاهلي جاء الإسلام بهدمه.
وعلى هذا؛ فما ارتكبتموه من حرمان إخوتكم والتعدي على حقهم، وما قابلهم به أخوك الأكبر من ضرب أخيهم وطرده عند إرادته أخذ حقهم الثابت بكتاب الله تعالى، كل هذا ذنب عظيم تجب منه التوبة إلى الله، والاستغفار إليه، واستحلالهم مما حصل من ظلمهم، والإساءة إليهم، ورد حقهم المغصوب إليهم.
أما ما يتعلق بهذا المال فكيفية تقسيمه في الأصل ـ إذا لم يكن ثمت وارث غير من ذكر ـ أن يجعل ستة عشر سهما عدد رؤوس الورثة، وبيان ذلك أن يضاعف عدد الذكور والذين هم ستة، فيكون 12، فيضاف إلى الإناث الأربعة فيكون المجموع 16، لكل رجل منكم سهمان، ولكل امرأة سهم، أي للذكر منكم مثل حظ أنثيين، لقول الله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ {النساء:11}.
قال خليل في تأصيل هذه المسألة: وما لا فرض فيها فأصلها عدد عصبتها وضعف للذكر على الأنثى.
وأما عن كيفية إعادة حق هؤلاء إليهم فهي: أن يُعرف مقدار مال التركة بالتحديد ـ بما في ذلك البيت ـ يوم مات الميت فيقسم فرضا على نحو ما بينا، فيعرف نصيب كل واحد على حدة، ثم يُتتبع المال ويُتقصى، وكل من تبين من الورثة أنه أخذ من المال أكثر من حقه، أخذ منه الزائد إن كان قائما ليدفع لمن هو له، وإن كان قد استهلكه فهو دين في ذمته، فيضمن الأخ مثلا ما ذبح من هذه الغنم بقيمته يوم الأخذ، لأنه شريك تصرف في نصيب غيره دون إذن فهو غاصب، كما يجب أن تضمن غلة الماشية من ألبان وغيرها، ومنافع الدار من السكن والإيجار، وغير ذلك من غلات الميراث، كله يحدد إن أمكن وإلا يتحرى في قدره، ثم تجري عليه القسمة على النحو السابق، وقد بينا بالتفصيل ضمان الغاصب للغلة في الفتوى رقم: 104066، فراجعها.
ومن كان من الورثة قد اتجر في شيء من مال التركة فإن حصل فيه تلف فهو ضامن لما تلف منه أيضا، وإذا نتج عن تصرفه ربح ففي كيفية التعامل معه خلاف بسطناه في الفتوى رقم: 62449.
ثم إننا ننبهك إلى مسائل الخصام والمنازعة لا يكفي فيها الفتوى عن بعد، بل ترفع إلى قاضي المسلمين، ليفصل فيها وليسمع من جميع الأطراف وليتولى قسمة المال، ويجبر من أبى من الورثة عن أن يرضخ لحكم الله، ولينصف منه.
والله أعلم.