الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلابد من التفريق بين ما ينفع في الدنيا ويرفع في الآخرة، وبين ما ينفع في الدنيا ويضر في الآخرة، فالله تعالى ينعم على عبده المؤمن في الدنيا بشيء من الكرامة ويوسع عليه بأنواع من الرزق، كالمال والولد والصحة، هذا مع ما يُدخر له في الآخرة من النعيم المقيم، وفي الوقت نفسه قد يعطي الله تعالى عبده الكافر أو الفاجر أنواعا من العطايا على ما هو فيه من كفر وفجر استدراجا له وامتحانا لغيره، وإذا عرف هذا كان لزاما علينا أن نفرق بين الكرامة والاستدراج، وبين النعمة والنقمة، وبين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، فالكرامة: أمر خارق للعادة يظهره الله على يد عبد ظاهر الصلاح، ملتزم بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم، مقترن بصحة الاعتقاد والعمل الصالح، غير مقارن لدعوى النبوة، وأما الاستدراج فإنه يظهر على يد كافر أو فاسق، وقد سبق لنا بيان ذلك وبيان أن الشفاء الحاصل بفعل الخرافة من الاستدراج، فراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 174451، 56853، 114061، 117895.
وراجعي في خصوص الاستشفاء بالصليب أو باسم المسيح ونحو ذلك الفتويين رقم: 134259، ورقم: 74641.
ثم إننا ننبه على أن ما في القرآن من شفاء لا ينتفع به كل أحد، قال ابن القيم: القرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به ووضعه على دائه بصدق وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه، لم يقاومه الداء أبدا. اهـ.
وأما قول السائلة: الشفاء هو ما نعتقده في عقلنا الباطن ـ فليس بصحيح، فكم من إنسان اعتقد أن شفاءه في شيءٍ ما فلما استعمله أو فعله لم يُشف، وكم من إنسان جرب أنواعا من العلاج عن غير اقتناع وإنما على سبيل التجربة، فلما استعملها شفي ـ بإذن الله ـ ثم إن قولك هذا يتماشى مع ما يذكره بعض الناس ويزعم أنه حديث نبوي، بلفظ: من حسن ظنه في حجر نفعه الله به ـ وهذا باطل، قال الغزي في الجد الحثيث في بيان ما ليس بحديث: كذب لا أصل له. اهـ.
وراجعي في ما يذكر من طرق الاستشفاء عن طريق العقل اللاواعي أو العقل الباطل، الفتوى رقم: 141521، وما أحيل عليه فيها.
وننبه على أن بعض المبطلين يتظاهر بالمرض أو بالسحر والجنون، ثم يدعي شفاءه بذكر اسم المسيح أو بحمل الصليب، وذلك ترويجا لكفره وشركه وخداعا للسذج من الناس، فلا ينبغي الاغترار بما ينشر من هذه المقاطع، وإن صح شيء منها كان استدراجا ـ كما سبق ـ وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ أن من الناس من يستغيث بالمخلوق، فتقضى حاجته استدراجا له، قال رحمه الله: والمستغيث بالمخلوقات قد يقضي الشيطان حاجته أو بعضها وقد يتمثل له في صورة الذي استغاث به فيظن أن ذلك كرامة لمن استغاث به، وإنما هو شيطان دخله وأغواه لما أشرك بالله كما يتكلم الشيطان في الأصنام وفي المصروع وغير ذلك ومثل هذا واقع كثيرا في زماننا وغيره. انتهى.
والله أعلم.