محاباة الناس في الوظائف... نظرة إنسانية شرعية
10-7-2002 | إسلام ويب
السؤال:
هل يجوز لمن تقلد منصباً في الدولة عالي المستوى أن يوظف من يشاء ويفصل من يشاء حتى ولو كان هذا الموظف إنساناً يعمل بنزاهة وباجتهاد ؟ وماعقوبة من يفعل هذا في الدنيا والآخرة ؟ وفقط يساعد ذويه وأقرباءه.....
الإجابــة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن محاباة الأقارب والأصحاب على حساب الغير، أمر ينبذه الشرع ويأباه العقل، وتنفر منه الطباع السليمة، لأنه ظلم بين، وإجحاف واضح واعتداء على حقوق الآخرين، واستغلال للمنصب والجاه فيما لا يحبه الله ولا يرضاه، وقد بين الله عاقبة الظلم في القرآن، ووضحها نبينا عليه الصلاة والسلام أوضح بيان، فقال عز وجل:وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ*مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ٌ [ابراهيم:43].
وقال تبارك وتعالى:إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [إبراهيم:22].
وروى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ: اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة.
قال الإمام النووي -رحمه الله-، قال القاضي : قيل هو على ظاهره، فيكون ظلمات على صاحبه، لا يهتدي يوم القيامة سبيلاً، حتى يسعى نور المؤمنين بين أيديهم وبأيمانهم،ويحتمل أن الظلمات هنا الشدائد. انتهى
وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى، أنه قال: يا عبادي: إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا.
وفضلاً عن أن فاعل مثل هذا الأمر يُعد من الظالمين، فإنه في الحقيقة قد شهد شهادة زور، بتوظيف من يشاء وفصل من يشاء بمجرد الهوى والتشهي، وذلك لأن توظيفه للذي وظفه لقربه منه أو صحبته له، من غير أن يكون أهلاً لما وظفه فيه، شهادة له بأنه كفء وهذه شهادة زور. والذي فصله من وظيفته مع قيامه بعمله على الوجه الأكمل، شهادة عليه بأنه غير كفء وهذه شهادة زور أيضاً، وقد أمر الله تعالى بالعدل بين جميع الناس، ولو كان الأمر متردداً بين قريب وبعيد، فقال الله عز وجل:وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [الأنعام:152].
وقال تعالى:يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِين [النساء:135]. وقال تعالى:وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8].
روى البخاري عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور، فمازال يقولها حتى قلنا ليته سكت.
وكان الواجب على هذا المسؤول أن يفتح أبوابه لموظفيه ويسمع منهم ويستفيد من خبراتهم بدلاً من الإيذاء لهم والافتراء عليهم والتصرف في مصائرهم بما يعود عليهم بالضرر العاجل، ويكفي ترهيباً لمثل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: من ولاه الله -عز وجل- شيئاً من أمر المسلمين، فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، احتجب الله عنه دون حاجته وخلته وفقره. رواه أبو داود وصححه الألباني.
قال في عون المعبود: وقال القاضي: المراد باحتجاب الله عنه أن لا يجيب دعوته ويخيب آماله. انتهى
والله أعلم.