الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن أمير المؤمنين عليا ـ رضي الله عنه ـ خرج من المدينة يريد الشام، ثم عدل إلى العراق لما سمع بخروج طلحة والزبير وعائشة ـ رضي الله عنهم ـ إلى العراق، ثم بقي بالكوفة ليكون على مقربة من الشام، وفي هذا السياق يقول الصلابي: كانت المدينة المنورة طيلة عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الثلاثة من بعده عاصمة الدولة الإسلامية، ويقيم فيها الخليفة، ويتولى شئونها بنفسه أثناء وجوده، أما في حالة السفر فإنه ينيب عليها من يتولى شئونها، وقد اختلف الوضع بعد مبايعة علي ـ رضي الله عنه ـ بالخلافة، إذ دعته الحالة العامة والارتباك الذي حدث بعد مقتل عثمان إلى مغادرة المدينة المنورة، خصوصًا بعد خروج طلحة والزبير وعائشة باتجاه العراق قبل موقعة الجمل...
وقال أيضا: لم يكن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في المدينة يؤيدون خروج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب من المدينة، فقد تبين ذلك حينما همّ عليّ بالنهوض إلى الشام، ليزور أهلها وينظر ما هو رأي معاوية وما هو صانع، فقد كان يرى أن المدينة لم تعد تمتلك المقومات التي تملكها بعض الأمصار في تلك المرحلة، فقال: إن الرجال والأموال بالعراق، فلما علم أبو أيوب الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ بهذا الميل قال للخليفة: يا أمير المؤمنين، أقمت بهذه البلاد لأنها الدرع الحصينة، ومهاجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبها قبره ومنبره ومادة الإسلام، فإن استقامت لك العرب كنت كمن كان، وإن تشغب عليك قوم رميتهم بأعدائهم، وإن ألجئت حينئذ إلى السير سرت وقد أعذرت.. فأخذ الخليفة بما أشار به أبو أيوب وعزم المقامة بالمدينة وبعث العمال على الأمصار، ولكن حدث كثير من المستجدات السياسية التي أرغمت الخليفة على مغادرة المدينة، وقرر الخروج للتوجه إلى الكوفة ليكون قريبًا من أهل الشام، وأثناء استعداده للخروج بلغه خروج عائشة وطلحة والزبير إلى البصرة... اهـ.
والله أعلم.