الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لنا ولصديقك هذا الثبات على الخير والعزيمة على الرشد، والعافية من كل بلاء في الدنيا والآخرة، إن ربنا سميع مجيب.
ومما لا شك فيه أن اللواط فعل قبيح وفاحشة عظيمة، أهلك الله بسببها أمة ابتليت بها، ويمكن أن يراجع بخصوصها الفتوى رقم: 26148. وقد أوضحنا فيها سعة رحمة الله ومغفرته لعباده، وأنه لا يجوز للمسلم القنوط من رحمته. فإن كان المقصود بإحساس هذا الشاب بعدم الرجولة أنه لا زال يرضى أن تمارس معه الفاحشة، فالواجب عليه المبادرة إلى التوبة النصوح والإكثار من عمل الصالحات. وينبغي أن يحرص على صحبة الأخيار وحضور مجالس العلم والخير. وإن كان المقصود أنه ساخط على نفسه ويشعر أنه ليس برجل بسبب ما حصل سابقا معه، فعليه أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ومن نزغاته، وأن يلتجئ إلى ربه بالدعاء أن يذهب عنه كل شعور يقنطه ويحزنه، ولا يستسلم لمثل هذا الشعور لأنه قد يقوده إلى العودة لذنبه، بل يعلم أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، ويستأنف حياته رجلا موفور الرجولة.
وأما الانتحار ففيه غضب العزيز الجبار، وهو ليس بدواء وإنما داء، يخسر المسلم بسببه دينه ودنياه، وذاك من أعظم الخسران، قال تعالى: خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ {الحج:11}. ولمزيد الفائدة تراجع الفتوى رقم: 10397.
وأما القتل المذكور بالسؤال فإن كان المقصود به أن يقام عليه الحد، فهو أولا لا يلزمه أن يعترف ليقام عليه الحد، بل يكفي أن يتوب ويستر على نفسه. ثم إن إقامة الحدود ليست موكولة إلى عامة الناس وإنما هي من شأن سلطان المسلمين.
ونوصيك كصديق له، نظن بك خيرا، أن تقف بجانبه وترشده لسلوك جادة الصواب، والحرص على كل ما فيه رضى العزيز الوهاب. والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
ولم نفهم على وجه التحديد ما تشير إليه بقولك:( وأين ذلك من قدر الله وحفظه وحمايته لخلقه؟). فإن قصدت به ما حصل لهذا الشاب من تحرش، فينبغي أن يعلم أن هذه الحياة دار ابتلاء وامتحان يبتلي الله عباده فيها بالخير والشر، قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35}. ومعنى فتنة: ابتلاء وامتحان، وحفظ الله لعبده لا يعني عدم وقوع الشر والبلاء عليه، ولكنه سبحانه قد يحفظه من جهة أخرى بأن ينتقم له ممن اعتدى عليه وآذاه.
قال المناوي في فيض القدير وهو يشرح قول النبي صلى الله عليه وسلم: من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه ثم يكبه على وجهه في نار جهنم. رواه مسلم. قال رحمه الله: فإن هذا الحديث لا يعني أن من فعل ذلك فهو آمن من وقع الظلم عليه، ولكن معناه أن ظالمه متعرض لعقوبة الله تعالى، المعنى أن من صلى الصبح فهو في ذمة الله فلا تتعرضوا له بشيء ولو يسيرا، فإنكم إن تعرضتم يدرككم ولن تفوتوه فيحيط بكم من جوانبكم. اهـ.
والله أعلم.