الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنود أن ننبه أولا إلى أنه كمبدإ عام أننا نجتهد في تحري ما هو أرجح عندنا من أقوال أهل العلم ونفتي به، وإذا تبين لنا بعدها أن هنالك ما هو أقوى حجة فلا نتوانى في التراجع عن الفتوى الأولى والإفتاء بهذا، وقد كان هذا دأب سلفنا الصالح، جاء في رسالة عمر ـ رضي الله عنه ـ إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قوله: ولا يمنعنك قضاء قضيت فيه اليوم فراجعت فيه رأيك فهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق، فإن الحق قديم لا يبطله شيء، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل. اهـ.
وهذا أبو حنيفة يقول لتلميذه أبي يوسف: لا تكتب عني كل ما أقول، فإنا نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا. اهـ.
وهذا الشافعي تجد له في كثير من المسائل قولين، قول في القديم وقول في الجديد، لما ظهر له من حجة أقوى وهكذا قد تجد للإمام مالك أو الإمام أحمد أكثر من رواية في المسألة الواحدة.
فمبدؤنا العام تحري الحق ـ كما أسلفنا ـ وبالنسبة للسؤالين المذكورين: فإن أصل المال محرم في كل من المسألتين، والكلام إنما كان في الربح الناتج عن استثمار مثل هذا المال، ففي الفتوى الأولى ذكرنا للسائل هذه العبارة: وفيه أيضاً أن الأرباح التي ستكسبها من ذلك، ناشئة عن مال محرم، والله سائلك عن مالك من أين اكتسبته وفيم أنفقته ـ ففيها مجرد إشارة إلى التحذير من مثل هذا الربح من غير تصريح بحرمته، وأما الفتوى الثانية فقد ضمناها خلاف الفقهاء في المسألة، ورجحنا أن القول بالحل أقرب للصواب، فتدبر الفتويين.
وأما الجزئية الأخيرة من السؤال فلم يتضح لنا مراد السائل بها.
والله أعلم.