الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل أن العمل بالقول الراجح واجب لا مستحب، جاء في الإحكام في أصول الأحكام للآمدي: وَأَمَّا أَنَّ الْعَمَلَ بِالدَّلِيلِ الرَّاجِحِ وَاجِبٌ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نُقِلَ وَعُلِمَ مِنْ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ فِي الْوَقَائِعِ الْمُخْتَلِفَةِ عَلَى وُجُوبِ تَقْدِيمِ الرَّاجِحِ مِنَ الظَّنَّيْنِ، وَذَلِكَ كَتَقْدِيمِهِمْ خَبَرَ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ فِي الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ عَلَى خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ ـ وَمَنْ فَتَّشَ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَنَظَرَ فِي وَقَائِعِ اجْتِهَادَاتِهِمْ عَلِمَ عِلْمًا لَا يَشُوبُهُ رَيْبٌ أَنَّهُمْ كَانُوا يُوجِبُونَ الْعَمَلَ بِالرَّاجِحِ مِنَ الظَّنَّيْنِ دُونَ أَضْعَفِهِمَا إلى أن قال: وَلِأَنَّهُ إِذَا كَانَ أَحَدُ الدَّلِيلَيْنِ رَاجِحًا، فَالْعُقَلَاءُ يُوجِبُونَ بِعُقُولِهِمُ الْعَمَلَ بَالرَّاجِحِ. انتهى.
لكن إذا كان القول المرجوح قد قال به بعض أهل العلم معتقدا رجحانه فلا إثم على العامي في تقليد من أفتاه به إذا كان محل ثقة عنده في العلم والورع، كما في مسألة النكاح بلا ولي، فإن الراجح مذهب الجمهور وهو بطلان النكاح، لكن إذا أقدم الشخص على هذا النكاح مقلدا للإمام أبي حنيفة القائل بصحته فلا يأثم ونكاحه صحيح، جاء في مطالب أولي النهى شرح غاية المنتهى على الفقه الحنبلي: كَمَا لَوْ قَلَّدَ حَنْبَلِيٌّ أَبَا حَنِيفَةَ فِي عَقْدِ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ، فَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ الْحَنْبَلِيِّ أَنْ يُعَزِّرَهُ، لِانْتِفَاءِ الْمَعْصِيَةِ بِتَقْلِيدِهِ إمَامًا يَرَى صِحَّةَ ذَلِكَ الْعَقْد، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ الْحَنَفِيُّ، وَرُفِعَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الْحَنْبَلِيِّ لَوَجَبَ عَلَيْهِ تَنْفِيذُهُ. انتهى.
والله أعلم.