الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنت في تحريك الحلال الطيب، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم ـ وقال: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ـ ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟.
والربا من أشد المحرمات إثما وأعظمها جرما ولا يقتصر إثمه على آكله أو موكله، بل يشمل معينهما، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه، هم فيه سواء. رواه مسلم عن جابر. ولقول الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ { المائدة:2}.
فاحمد الله على ما وفقك إليك من ترك الحرام واجتهد في البحث عن الحلال، وأر الله من نفسك خيرا، قال تعالى: إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ {الأنفال:70}. واعلم أن تقوى الله خير زاد، وقد ضمن الله الرزق لمن يتقيه، قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ { الطلاق:2ـ3}.
وعليه، فإذا كان بإمكانك الاكتساب بأية وسيلة أخرى من الوسائل المباحة، وتحصيل ما تعيش به أسرتك فإنه يحرم عليك أن تعود إلى تلك الوظيفة المحرمة بعد أن أنقذك الله منها وليس من شكر نعمة الله عليك بالهداية أن تعود إلى معصيته، لكن إن لم تجد وسيلة أخرى، وكان بقاؤك على تلك الحال سيترتب عليه هلاكك، أو هلاك بعض أفراد أسرتك أو ضرر يلحق بهم أو بك فإنك حينئذ تكون مضطراً إلى هذا العمل، ولكن الضرورة تقدر بقدرها، فمتى زالت الضرورة تركته، قال الله تعالى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {البقرة:173}.
والله أعلم.