الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من أعظم الكبائر بعد الإشراك بالله عز وجل عقوق الوالدين، لما في الصحيحين عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين .. الحديث.
وقد عرف بعض العلماء العقوق بأنه (إيذاء الولد أحد أبويه بما لو فعله مع غير أبويه كان محرما من جملة الصغائر فيكون في حق الأبوين كبيرة ) ومثلوا لذلك بما (لو قدم عليه أحدهما ولم يقم إليه أو قطب في وجهه، فإن هذا وإن لم يكن في حق الغير معصية فهو عقوق في حق الأبوين ). وراجعي الفتوى رقم: 73463 .
ومن باب أولى لو كان العقوق بالهجر والقطيعة فذلك من أسوئه وأشده إثما وجرما. فانصحي زوجك ليعامل أبويه بشيء من الحكمة واللطف، وأن يعلم أن لهما حقاً عليه لا يسقط ولو كانا مشركين نعيذهما بالله من ذلك. قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. {لقمان: 14-15}
وانظري الفتوى رقم 59381
فلا يحل له أن يهجر والديه، ويمتنع عن كلامهما، ويجب عليه التوبة إلى الله من هذا الذنب العظيم بالندم عليه، والإقلاع عنه فورا، والمبادرة إلى صلتهما بالكلام وغيره، وليظل على نصحه لأبيه بالحكمة والموعظة الحسنة لعله يؤثر فيه فيكف عن إيداعه لماله بالبنك الربوي، وليذكر له ما بيناه في الفتوى رقم 30198 وما أحيل عليه خلالها حول مسألة من أفتى بجواز ذلك .
مع تنبيهه على أن العامي لو قلد من يثق في علمه وورعه لا عن اتباع هوى قد يكون له في ذلك عذر يدرأ عنه الإثم ويكون إثمه على من أفتاه ، ويباح له الانتفاع بما أخذه من الفوائد جاهلا بحرمتها متبعا لمن أفتاه بجوازها إذا تاب وأقلع عنها لأن الله يقول: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ {البقرة:275}، وانظري الفتوى رقم 15282.
والله أعلم.