الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمهاجر على الحقيقة هو من هجر ما نهى الله عنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، والهجرة إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم بفعل المأمور وترك المنهي فرض عين على كل أحد في كل وقت، فلا انفكاك لأحد عنها إذ هي مطلوب الله ومراده من العباد، وقد سطر العلامة المحقق ابن قيم الجوزية رحمه الله رسالة لطيفة في الهجرة إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وهي معروفة بالرسالة التبوكية أو زاد المهاجر إلى ربه، ومما قاله رحمه الله في بيان حقيقة الهجرة إلى الله وماهيتها: وهي هجرة تتضمن (من) و (إلى) فيهاجر بقلبه من محبة غير الله إلى محبته، ومن عبودية غيره إلى عبوديته، ومن خوف غيره ورجائه والتوكل عليه إلى خوف الله ورجائه والتوكل عليه، ومن دعاء غيره وسؤاله والخضوع له والذل والاستكانة له إلى دعائه وسؤاله والخضوع له والذل له والاستكانة له، وهذا بعينه معنى الفرار إليه قال تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} ، والتوحيد المطلوب من العبد هو الفرار من الله إليه.انتهى.
وهذه الهجرة لا بد للعبد منها لأن عدوه له بالمرصاد فلا ينجيه من كيده ومكره إلا لجوءه إلى ربه واستعانته به وهجرته إليه.
قال ابن القيم: وإذا كان نفس العبد وهواه وشيطانه إنما يدعوانه إلى خلاف ما يحبه ويرضاه، وقد بلي بهؤلاء الثلاث، فلا يزالون يدعونه إلى غير مرضاة ربه، وداعي الإيمان يدعوه إلى مرضاة ربه فعليه في كل وقت أن يهاجر إلى الله ولا ينفك في هجرته إلى الممات. انتهى.
فمن أراد أن يكون مهاجرا إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فليفعل المأمورات من الفرائض وليجتهد في فعل النوافل، وليترك المحرمات والمكروهات، وليجتهد في إصلاح قلبه وعمارته بمحبة الله تعالى والخوف منه والشوق إليه ورجائه وحسن الظن به، وليحكم شرع الله تعالى في كبير أموره وصغيرها ودقيقها وجليلها كما قال تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا {النساء:65}.
ولتفصيل القول في هذا المعنى ومزيد بسطه يراجع كلام العلامة ابن القيم رحمه الله في الرسالة المذكورة .
والله أعلم.