الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس بمستغرب على من لا يعرف أصول علم الحديث، والقواعد التي ضبطها المحدثون لدراسة الأسانيد ونقد المتون أن يهوله حكم المتأخرين على حديثٍ ما بالصحة أو الضعف، ولكن المستغرب، بل المستنكر أن يجعل المرء جهله سببا للطعن في علم العالم، والقاعدة المقررة: أن عدم العلم ليس علما بالعدم ـ وقد سبق أن نصحنا للأخ السائل في الفتوى التي أشار إليها في سؤاله أن يستوضح ويسأل، فهذا خير له من أن يطعن ويخطِّئ دون أن يكون أهلا لذلك، وعلى أية حال فقد سبقت لنا الإشارة إلى كيفية الحكم على الأحاديث، وما يتعلق بالشيخ الألباني على وجه الخصوص في ذلك، فراجع الفتاوى التالية أرقامها: 35715، 58756، 58778، 51518، 17569.
وأما دعوى السائل بأنه لا يليق بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يخاطب أم عطية في هذا الموضوع مباشرة، مع كونه صلوات الله عليه وسلامه كان أشد حياء من العذراء في خدرها!! فهي دعوى غير مسلَّمة، فإن الحياء لا يأتي إلا بالخير ومن الخير أن تُعلَّم الأمة ما تحتاج إليه من الأحكام، والنبي صلى الله عليه لا يمنعه الحياء من القيام بهذه المهمة الشريفة، كما لا يمنع المسلم من السؤال عن ما يحتاجه في دينه، كما قالت أم سليم ـ رضي الله عنها: يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق هل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ قال: نعم إذا رأت الماء. متفق عليه.
قال النووي: قال العلماء: معناه لا يمتنع من بيان الحق وضرب المثل بالبعوضة وشبهها، كما قال سبحانه وتعالى: إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها ـ فكذا أنا لا أمتنع من سؤالي عما أنا محتاجة إليه، وقيل معناه إن الله لا يأمر بالحياء في الحق ولا يبيحه، وإنما قالت هذا اعتذارا بين يدي سؤالها عما دعت الحاجة إليه مما تستحي النساء في العادة من السؤال عنه وذكره بحضرة الرجال، ففيه أنه ينبغي لمن عرضت له مسألة أن يسأل عنها ولا يمتنع من السؤال حياء من ذكرها، فإن ذلك ليس بحياء حقيقي، لأن الحياء خير كله، والحياء لا يأتي إلا بخير، والإمساك عن السؤال في هذه الحال ليس بخير بل هو شر، فكيف يكون حياء .. وقد قالت عائشة رضي الله عنها: نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين. اهـ.
ويوضح ذلك أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها، ولا يستطب بيمينه. رواه أبو داود والنسائي وأحمد وحسنه الألباني.
قال الخطابي في معالم السنن: قوله: إنمّا أنا لكم بمنزلة الوالد ـ كلام بسط وتأنيس للمخاطبين، لئلا يحتشموه ولا يستحيوا عن مسألته فيما يعرض لهم من أمر دينهم كما لا يستحي الولد عن مسألة الوالد فيما عنّ وعرض له من أمر. اهـ.
وأما قول السائل: ما هو المقياس فيما إذا كان هناك إنهاك في القطع أو عدم وجود الإنهاك .. فجوابه واضح، فإن الخاتنة ذات الخبرة تستطيع تمييز الفوارق الطبيعية بين الإناث، والقدر الذي يناسب كل أنثى، وذلك بعد أن تتعلم ما الذي يزال من الأنثى في الختان الشرعي، وقد سبق أن أشرنا إلى ما يقطع في ختان المرأة في الفتوى رقم: 15803.
وننصح السائل بمراجعة كتاب الدكتورة مريم هندي خِتانُ الإنَاث بَيْنَ عُلمَاء الشريعَة والأطبّاء، ففيه بيان لأنواع الختان الذي يجري في الواقع وحكم كل نوع، وكيفية الختان الصحيح وما الذي يزال في ختان الأنثى.
وأما قول حمزة ـ رضي الله عنه ـ لسباع بن عبد العزى فقد رواه البخاري في صحيحه في قصة وحشي مع حمزة يوم أحد وفيها: فلما أن اصطفوا للقتال خرج سباع فقال هل من مبارز؟ قال فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب فقال: يا سباع يا ابن أم أنمار مقطعة البظور، أتحاد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ثم شد عليه فكان كأمس الذاهب.
ونحن نقر السائل أن في ذلك إهانة للمنادى بذلك، ولكننا لا نقره على أن ذلك إهانة لهذا العمل، ولا نقره في وصفه له بالجاهلي، فقد أقره الإسلام!! وبيان ذلك أن هناك من الأعمال من يأنف عنها أشراف الناس ووجهاؤهم ولكنهم يحتاجونها فيقوم بها غيرهم من الناس، وقد كانت أم سباع مولاة وليس من صلب قريش، كما ذكر أهل السير، قال ابن إسحاق: كانت أمه أم أنمار مولاة شريق بن عمرو بن وهب الثقفي. اهـ. وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: الْعَرَب تُطْلِقُ هَذَا اللَّفْظ فِي مَعْرِض الذَّمِّ, وَإِلَّا قَالُوا خَاتِنَة. اهـ. وقال ابن الأثير في النهاية: العرب تطلق هذا اللفظ في معرض الذم وإن لم تكن أم من يقال له خاتنة. اهـ.
ولمزيد الفائدة يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 48958.
والله أعلم.