الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فينبغي أن يعلم أن السلفية منهج يعني الرجوع إلى الكتاب والسنة على منهج سلف هذه الأمة الصالح، وسبق لنا بيان ذلك بالفتوى رقم: 39218.
وليس لهذا المنهج ارتباط بجماعة معينة، وإنما يحكم بهذا المنهج على هذه الجماعات ومدى قربها وبعدها منه كما أنه لا يجوز لجماعة أو جمعية معينة أو هيئة احتكار هذه النسبة ومحاولة إقصاء الآخرين منها لمجرد أهواء أو خلافات في مسائل اجتهادية يجعلها بعض الناس محلا للولاء والبراء، فليس هذا من نهج السلف، فإنهم كانوا يختلفون في مسائل علمية أو عملية فلم يبغض بعضهم بعضا أو يعاده أو يهجره من أجلها، قال ابن القيم في كتابه الصواعق المرسلة: ووقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه لتفاوت إرادتهم وأفهامهم وقوى إدراكهم ولكن المذموم بغي بعضهم على بعض وعدوانه، وإلا فإذا كان الاختلاف على وجه لا يؤدي إلى التباين والتحزب وكل من المختلفين قصده طاعة الله ورسوله لم يضر ذلك الاختلاف فإنه أمر لا بد منه في النشأة الإنسانية، ولكن إذا كان الأصل واحدا والغاية المطلوبة واحدة والطريقة المسلوكة واحدة لم يكد يقع اختلاف وإن وقع كان اختلافًا لا يضر كما تقدم من اختلاف الصحابة. اهـ.
وما أحسن ما قاله ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ حين اختلف مع عثمان رضي الله عنه لما صلى خلفه أربعا بمنى وكان يخالفه في ذلك، نعني قوله: الخلاف شر. رواه أحمد وأبو داود.
قال شيخ الإسلام: ويستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف هذه القلوب بترك هذه المستحبات، لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا. اهـ.
وإذا كان المسلم يعادي أخاه المسلم من أجل هذه المسائل فماذا سيبقى من معاني الأخوة، أو من خصال دين الله في الأرض قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة، قالوا: بلى، قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين الحالقة. رواه أبو داود والترمذي، وزاد الترمذي: لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين.
فننصح كل واحد من هؤلاء الإخوة بأن يتقي الله في نفسه وفي إخوانه العاملين في طريق الدعوة إلى الله وأن يعرف لهم حق الأخوة ويتعاون معهم على الخير، ولا ينبغي أن تكون هذه الهيئات والمسميات إلا واجهات للدعوة إلى الخير والتناصر والتواصي بالحق والتواصي بالصبر لا محلا للعصبية المقيتة والحزبية المذمومة التي لا نجني منها إلا السراب، قال تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ {الأنفال:46}.
وأما موقف المسلم في هذه الحالة فهو اجتناب أي نوع من أنواع الفتن، وأن يوالي كل من والى الله ورسوله والمؤمنين، قال تعالى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ {المائدة 55 ـ 56}.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية معلقا على هذه الآية: فقد أخبر سبحانه أن ولي المؤمن هو الله ورسوله، وعباده المؤمنين وهذا عام في كل مؤمن موصوف بهذه الصفة سواء كان من أهل نسبة أو بلدة أو مذهب أو طريقة أو لم يكن. اهـ.
والله أعلم.