الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمبنى الفتوى السابقة على أن التخارج في الغالب إنما هو بيع في صورة صلح، وبيع المجهول لا يجوز، وكذا الصلح عنه ، والمراد بالمعلومية هنا: العلم بالتركة نفسها، لا العلم بقيمتها، فليس كل من يبايع يعلم قيمة المبيع، ولكن إذا كان المصالـَح عن نصيبه من التركة ليس على علم بقيمتها الحقيقية، واستأمن بقية الورثة واستنصحهم، فحكمه حكم المسترسل، وهذا لا يجوز غبنه غبنا يخرج عن العادة، وإلا ثبت له خيار الغبن، فيكون له فسخ العقد أو إمضاؤه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إذا كان المشتري مسترسلا ـ وهو الجاهل بقيمة المبيع ـ لم يجز للبائع أن يغبنه غبنًا يخرج عن العادة، بل عليه أن يبيعه بالقيمة المعتادة، أو قريب منها، فإن غبنه غبنًا فاحشًا فللمشتري الخيار في فسخ البيع وإمضائه، فقد روي في الحديث: غبن المسترسل ربا ـ وثبت في الصحاح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تلقي الجلب حتي يهبط به السوق، وأثبت الخيار للبائع إذا هبط، وذلك لأن البائع قبل أن يهبط السوق يكون جاهلًا بقيمة السلع، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يخرج المشتري إليه ويبتاع منه، لما في ذلك من تغريره والتدليس، وأثبت له الخيار إذا علم بحقيقة الحال، فهكذا كل من كان جاهلًا بالقيمة لا يجوز تغريره والتدليس عليه، مثل أن يسام سومًا كثيرًا خارجًا عن العادة ليبذل ما يقارب ذلك، بل يباع البيع المعروف غير المنكر. اهـ.
ومسألة خيار الغبن محل خلاف بين أهل العلم، وقد سبق لنا بيان رجحان أن المشتري إذا كان يجهل القيمة واستأمن البائع واستنصحه، ففي هذه الحالة يرد البيع إذا تفاحش الغبن، بأن بلغ الثلث فما فوق، وراجع لتفصيل ذلك الفتويين رقم: 33215، ورقم: 63265.
ثم لا يخفى أن من النصيحة لهذا الوارث المراد مصالحته عن نصيبه من التركة أن يعرَّف بقيمتها، وقد قال جرير البجلي ـ رضي الله عنه: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم. متفق عليه.
قال النووي: ومما يتعلق بحديث جرير منقبة ومكرمة لجرير ـ رضي الله عنه ـ رواها الحافظ أبو القاسم الطبراني بإسناده اختصارها: أن جريرا أمر مولاه أن يشتري له فرسا فاشترى له فرسا بثلثمائة درهم، وجاء به وبصاحبه لينقده الثمن، فقال جرير لصاحب الفرس: فرسك خير من ثلاثمائة درهم، أتبيعه بأربعمائة درهم؟ قال: ذلك إليك يا أبا عبد الله، فقال: فرسك خير من ذلك، أتبيعه بخمسمائة درهم؟ ثم لم يزل يزيده مائة فمائة، وصاحبه يرضى، وجرير يقول: فرسك خير إلى أن بلغ ثمانمائة درهم فاشتراه بها، فقيل له في ذلك، فقال: إني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم. اهـ.
والله أعلم.