الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلعل الأخ السائل يعني بسؤاله حديث أبي رزين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت. رواه أبو داود والترمذي وصححه، و ابن ماجه و أحمد، وصححه الألباني.
وهذا الحديث لا يتناول من لا يحسن تأويل الرؤيا فيخطئ فيه، وهذا لا يغير من قدر الله شيئا.
قال ابن قتيبة في (تأويل مختلف الحديث): قالوا: كيف تكون الرؤيا على رجل طائر؟ وكيف تتأخر عما تبشر به أو تنذر منه بتأخر العبارة لها، وتقع إذا عبرت؟ وهذا يدل على أنها إن لم تعبر، لم تقع. ونحن نقول: إن هذا الكلام خرج مخرج كلام العرب وهم يقولون للشيء إذا لم يستقر: هو على رجل طائر، وبين مخاليب طائر، وعلى قرن ظبي. يريدون: أنه لا يطمئن ولا يقف ... وكذلك الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، يراد أنها تجول في الهواء حتى تعبر، فإذا عبرت وقعت. ولم يرد أن كل من عبرها من الناس وقعت كما عبر، وإنما أراد بذلك العالم بها، المصيب الموفق. وكيف يكون الجاهل المخطئ في عبارتها لها عابرا، وهو لم يصب ولم يقارب؟ وإنما يكون عابرا لها إذا أصاب. يقول الله عز وجل: {إن كنتم للرؤيا تعبرون} يريد: إن كنتم تعلمون عبارتها. ولا أراد أن كل رؤيا تُعَبَّرُ وَتُتَأَوَّلُ لأن أكثرها أضغاث أحلام، فمنها ما يكون عن غلبة الطبيعة، ومنها ما يكون عن حديث النفس، ومنها ما يكون من الشيطان. وإنما تكون الصحيحة التي يأتي بها الملك ملك الرؤيا عن نسخة أم الكتاب، في الحين بعد الحين ... وهذه الصحيحة هي التي تجول حتى يعبرها العالم بالقياس الحافظ للأصول، الموفق للصواب، فإذا عبرها وقعت كما عبر. اهـ.
وقد بوَّب الإمام البخاري في صحيحه: (باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب) وأسند تحته قصة أبي بكر في تعبيره لرؤيا الظلة التي تنطف السمن والعسل، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: أصبت بعضا وأخطأت بعضا.
قال ابن حجر في (فتح الباري): أشار البخاري إلى تخصيص ذلك بما إذا كان العابر مصيبا في تعبيره، وأخذه من قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في حديث الباب: "أصبت بعضا وأخطأت بعضا" فإنه يؤخذ منه أن الذي أخطأ فيه لو بينه له لكان الذي بينه له هو التعبير الصحيح، ولا عبرة بالتعبير الأول. اهـ. وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 41751، 54700، 48547.
وأخيرا ننبه على أن الرائي لا ينبغي أن يقص رؤياه إلا على محب أو ذي رأي مشفق، وأنه لا يجوز لمن ليس عنده خبرة بالتعبير أن يؤولها، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 143703.
والله أعلم.